الحمد لله.
أولا :
اتفق أكثر الفقهاء على جواز كشف المسلم عورته في خلوته إذا دعت حاجته إلى ذلك ،
كوضع العلاج، وقضاء الحاجة ، والاستحمام والتنظف ، والجماع ، وغيرها من الأعذار
المقبولة ، إذ لا مفسدة تحصل بسبب هذا الكشف في الخلوة ، والمصلحة الراجحة تدعو إلى
ذلك ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتجرد في خلوته لاغتساله وقضاء
حاجته .
ومن ذلك حديث أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت :
( ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفَتْحِ
، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ )
رواه البخاري (357) ومسلم (336)
وقد سبق تقرير ذلك في موقعنا في الجواب رقم : (6976)
، (45514)
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" يجوز كشفها – يعني العورة - للحاجة إليه بقدرها ، بغير خلاف " انتهى من " فتح
الباري " لابن رجب (2/384)
ثانيا :
كما يقرر الفقهاء أيضا أن الحاجة إلى كشف العورة في الخلوة إن اقتضت أيضا النظر إلى
العورة فلا حرج في ذلك ، فقد يحتاج أمر التنظف إلى النظر في مظان وقوع النجاسة ، أو
يتطلب وضع الدواء إلى تحديد مكان الألم ونحو ذلك .
أما إذا وسعه ألا ينظر ، وتمكن من تحقيق حاجته دون نظر بالعين : فالأولى والأفضل أن
ينزه نظره عن ذلك ، فالإسلام يدعو إلى تأديب النفس وتعويدها على النظر إلى معالي
الأمور والتنزه عن سفاسفها ، ولا شك أن للمرئيات تأثيرا في النفس ولو من طرف خفي .
والدليل الشرعي على ذلك حديث بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ،
قَالَ :
( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟
قَالَ : احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ .
قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي
بَعْضٍ ؟ قَالَ : إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا
يَرَيَنَّهَا . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِذَا كَانَ أَحَدُنَا
خَالِيًا ؟ قَالَ : اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ )
رواه أبوداود (4017) وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد روى ابن أبي شيبة في " المصنف " (129-130) أثرين جليلين عن أبي موسى الأشعري
رضي الله عنهما أنه قال :
( إني لأغتسل في البيت المظلم فأحني ظهري إذا أخذت ثوبي حياء من ربي )
وقال أيضا :
( ما أقمت صلبي في غسلي منذ أسلمت )
كل ذلك حياء من الله تعالى ، وتأدبا مع نفسه ، وبلوغا إلى قمة الحياء والمراقبة .
قال الحطاب المالكي رحمه الله :
" هل يجوز نظر الإنسان إلى فرج نفسه من غير حاجة إلى ذلك ، كرهه بعض الفقهاء ، ولا
معنى له ، ولعله أراد أنه ليس من المروءة ، وإلا فلا مانع من جهة الشرع " انتهى من
" مواهب الجليل " (1/507)
وقال الإمام النووي رحمه الله :
" قال صاحب البيان وغيره : يستحب لمن هو على قضاء الحاجة أن لا ينظر إلى فرجه ، ولا
إلى ما خرج منه ، ولا يعبث بيده " انتهى باختصار من " المجموع " (2/110)
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" يجوز كشفها لحاجة ، كتخل ، واستنجاء ، وغسل ، ولا يحرم عليه نظر عورته حيث جاز
كشفها لتداو ونحوه مما تقدم ، لكن يكره " انتهى من " كشاف القناع " (1/265)، وانظر:
" فتح الباري " لابن رجب (1/336)
والحاصل أنه لا حرج في النظر إلى العورة أثناء
الاغتسال ، غير أن الأولى والأفضل عدم ذلك .
والله أعلم .