الحمد لله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَالْمَنْعُ
مِنْ هَذِهِ الْحِيَلِ هُوَ الصَّحِيحُ قَطْعًا، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا
يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ،وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ
يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ " رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ:
أحمد وأبو داود وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سَلَفٍ وَبَيْعٍ، فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ
سَلَفٍ وَإِجَارَةٍ فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ سَلَفٍ وَبَيْعٍ ، أَوْ مِثْلُهُ، وَكُلُّ
تَبَرُّعٍ يَجْمَعُهُ إِلَى الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، مِثْلُ: الْهِبَةِ
وَالْعَارِيَةِ، وَالْعَرِيَّةِ، وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمُسَاقَاةِ
وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُبَايَعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: هِيَ مِثْلُ الْقَرْضِ.
فَجِمَاعُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَ مُعَاوَضَةٍ وَتَبَرُّعٍ ;
لِأَنَّ ذَلِكَ التَّبَرُّعَ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْمُعَاوَضَةِ، لَا
تَبَرُّعًا مُطْلَقًا، فَيَصِيرُ جُزْءًا مِنَ الْعِوَضِ، فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى
أَنَّهُ لَيْسَ بَعِوَضٍ جَمَعَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ، فَإِنَّ مَنْ
أَقْرَضَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَبَاعَهُ سِلْعَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ
بِأَلْفٍ لَمْ يَرْضَ [بِالِاقْتِرَاضِ] إِلَّا بِالثَّمَنِ الزَّائِدِ
لِلسِّلْعَةِ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ الزَّائِدِ
إِلَّا لِأَجْلِ الْأَلْفِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا، فَلَا هَذَا بَاعَ بَيْعًا
بِأَلْفٍ، وَلَا هَذَا أُقْرِضَ قَرْضًا مَحْضًا، بَلِ الْحَقِيقَةُ: أَنَّهُ
أَعْطَاهُ الْأَلْفَ وَالسِّلْعَةَ بِأَلْفَيْنِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ " مُدِّ
عَجْوَةٍ "، فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ أَخْذَ أَلْفٍ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ:
حَرُمَ بِلَا تَرَدُّدٍ، وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ .
وَهَكَذَا مَنْ أَكَرَى الْأَرْضَ الَّتِي تُسَاوِي مِائَةً بِأَلْفٍ ، وَأَعْرَاهُ
الشَّجَرَ، أَوْ رَضِيَ مِنْ ثَمَرِهَا بِجُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ، فَمَعْلُومٌ
بِالِاضْطِرَارِ: أَنَّهُ إِنَّمَا تَبَرَّعَ بِالثَّمَرَةِ لِأَجْلِ الْأَلْفِ
الَّتِي أَخَذَهَا، وَأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إِنَّمَا بَذَلَ الْأَلْفَ لِأَجْلِ
الثَّمَرَةِ، فَالثَّمَرَةُ هِيَ جُلُّ الْمَقْصُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ
بَعْضِهِ، فَلَيْسَتِ الْحِيلَةُ إِلَّا ضَرْبًا مِنَ اللَّعِبِ [وَالْإِفْسَادِ] ،
وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ. " انتهى من "القواعد
النورانية" (204) ، وهو بنصه أيضا في "مجموع الفتاوى" (29/62) .
ثالثا :
إذا أقرض الإنسان غيره ، واشترط رهنا ، جاز ذلك ، لكن لو كان الرهن بيتا لم يجز أن
يسكنه المُقْرض مجانا ، ولا بأجرة فيها محاباة ، بل يلزمه أجرة المثل ، وإلا كان
قرضا جر نفعا .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/ 250) عن العين المرهونة : " ما لا يحتاج
إلى مؤنة ، كالدار والمتاع ونحوه ، فلا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن
بحال . لا نعلم في هذا خلافا ; لأن الرهن ملك الراهن ، فكذلك نماؤه ومنافعه ، فليس
لغيره أخذها بغير إذنه.
فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض ، وكان دين الرهن من قرض ، لم يجز ;
لأنه يحصل قرضا يجر منفعة ، وذلك حرام .
قال أحمد : أكره قرض الدور ، وهو الربا المحض . يعني : إذا كانت الدار رهنا في قرض
ينتفع بها المرتهن ...
فأما إن كان الانتفاع بعوض ، مثل أن استأجر المرتهن الدار من الراهن بأجرة مثلها ،
من غير محاباة ، جاز في القرض وغيره ، لكونه ما انتفع بالقرض ، بل بالإجارة .
وإن حاباه في ذلك فحكمه حكم الانتفاع بغير عوض ، لا يجوز في القرض ، ويجوز في غيره
" انتهى .
وينظر : سؤال رقم (140078)
.
والله أعلم .