والدته تأمره بحلق لحيته
لدي مشكلة ، وأتمنى أن تساعدوني في حلها ، فقد اعتدت في الماضي أن أحلق لحيتي ، ولكني بعد أن عرفت أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم كان الإعفاء لها اتخذت القرار بإعفائها ، ولكن على ما يبدو أن ذلك لم يَرُق لأسرتي ، فقد بدأت تسبب لي الكثير من المشاكل ، بل إن إحدى قريباتي أتت إليّ وجادلتني وقالت لي : إن أمّي مستاءة مني ، وساقت لي الأدلة في وجوب طاعة الأمّ ، وأن الجنة تحت أقدام الأمهات ، وأنه يجب علي إرضائها في المقام الأول.. وأنا الآن لا أدري ماذا أفعل ، إن أطعت والدتي خالفت السنة ، وإن أطلقت لحيتي غضبت والدتي وأغضبت الله...فما نصيحتكم .
سؤال أخر شبيه بالسؤال السابق : أحد أصدقائي أيضًا أطلق لحيته ، فغضبت والدته غضباً شديداً ، وهددت بقتل نفسها إن لم يحلقها أو يخففها ، فماذا يفعل ؟
الجواب
الحمد لله.
عندما يتعلق السؤال ببر الوالدين والسعي في رضاهما فلا يملك المجيب إلا أن يبدأ
بالتذكير بأهمية هذه العبادة العظيمة ، التي جعلها الله عز وجل من فرائض الإسلام ،
وقرنها بتوحيده فقال سبحانه : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) الإسراء/23.
ولكننا إذا نظرنا في واقع بعض الناس اليوم نتعجب – ونحن في القرن الحادي والعشرين –
حيث اتسعت قلوب بعض الناس وعقولهم لكل جديد وكل غريب وعجيب من العادات والسلوكيات
والأخلاق والأعمال ، لكنها تضيق عن قبول سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم التي
حث عليها وأمر بها ، بل لو أطلق أحد الشباب لحيته اتباعا لـ " الموضة " أو "
الستايل "! الدارج لدى كثير من شباب العصر ، وكثير من غير المسلمين لما أنكر عليه
أحد ، أما أن يطلق لحيته تدينا والتزاما بالسنة فسيكون عمله مردودا !!
ومما يثير العجب أن كثيرا من المسلمين – للأسف – تعلموا من بلاد الغرب الحرية
المطلقة في العادات والأخلاق والسلوك ، حتى سمحوا لأبنائهم ببعض المنهيات الشرعية ،
ثم تضيق صدورهم بتمسك أبنائهم بالهدي الموافق للسنة ، مع أنه من جملة ما يدخل في
حرية الاختيار والتعبير التي تعلموها ، وهذا نوع من الاستبداد المذموم .
يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :
" الناس يظنون أن وصايا الوالدين حجة على أن للوالدين أن يعبثا باستقلال الولد ما
شاء هواهما ، وأنه ليس للولد أن يخالف رأي والديه ولا هواهما ، وإن كان هو عالما
وهما جاهلين بمصالحه وبمصالح الأمة والملة ، وهذا الجهل الشائع مما يزيد الآباء
والأمهات إغراء بالاستبداد في سياستهم للأولاد ، فيحسبون أن مقام الوالدية يقتضي
بذاته أن يكون رأي الولد وعقله وفهمه دون رأي والديه وعقلهما وفهمهما ، كما يحسب
الملوك والأمراء المستبدون أنهم أعلى من جميع أفراد رعاياهم عقلا وفهما ورأيا .
إذا طال الأمد على هذا الجهل الفاشي في أمتنا فإن الأمم التي تربي أولادها على
الاستقلال الشخصي تستعبد من بقي من شعوبنا خارجا عن محيط سلطتها قبل أن ينقضي هذا
الجهل .
يجب أن نفهم أن الإحسان بالوالدين الذي أمرنا به في دين الفطرة هو أن نكون في غاية
الأدب مع الوالدين في القول والعمل بحسب العرف حتى يكونا مغبوطين بنا ، وأن نكفيهما
أمر ما يحتاجان إليه من الأمور المشروعة المعروفة بحسب استطاعتنا ، ولا يدخل في ذلك
شيء من سلب حريتنا واستقلالنا في شئوننا الشخصية والمنزلية ، ولا في أعمالنا
لأنفسنا ولملتنا ولدولتنا ، فإذا أراد أحدهما أو كلاهما الاستبداد في تصرفنا فليس
من البر ولا من الإحسان شرعا أن نترك ما نرى فيه الخير العام أو الخاص ، أو نعمل ما
نرى فيه الضر العام أو الخاص ، عملا برأيهما واتباعا لهواهما " . انتهى باختصار من
" تفسير المنار " (5/ 72 -75)
ومع ذلك نذكر هذا الشاب بأمرين :
1- أن بر الولد بوالديه في جميع شأنه ، وحسن تعامله معهما ، وإكرامه لهما : لا بد
وأن يكون لذلك أثر في قبول الوالدين خيار الولد وقراره الشخصي في التزامه بالسنة ،
أما أن يكون الولد مقصرا في جنب رعاية الوالدين ونوال حبهما وتعلقهما فلا بد أن
يكون ذلك سببا أيضا لنفورهما من كل قرار شخصي يتبناه ، فالمشكلة الأولى التي هي أم
المشاكل الأسرية : التقصير في بر الوالدين ، وعدم التفاني في إسعادهما وإرضائهما .
2- كثير من الشباب الملتزمين واجهوا مثل هذه المشاكل في بداية استقامتهم ، ثم ما
لبث الوالدان أن رضخوا للأمر الواقع ، وقبلوا الحال الذي آل إليه ولدهما ، وسلموا
لخياراته التي يتخذها لينجو بين يدي الله عز وجل ، فالصبر الجميل ، ومزيد من
الإحسان إلى الوالدين هما سبب كل فرج .
يقول الله عز وجل : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ
وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/14-15.
وانظر جواب السؤال رقم : (87592)
والله أعلم .