هل يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى والوالد بولده
أدرس حاليا عقوبات القتل، ولقد قال معلمنا: "أنه لا يُقتص بالقتل من القاتل إلا إذا
كان المقتول مساويًا له في الدرجة؛ أعني كأن يكون المقتول عبدا والقاتل عبدا أو
المقتول حرا والقاتل حرا، فهل هذا يعني أنه لوكان القاتل ذكرا والمقتولة أنثى، لا
يتم القصاص؟
كما قال معلمنا أيضا إثر سؤال موجه إليه عن العلة وراء عدم قتل السيد عند قتله
لعبده، قائلا: "بأن العبد ملك سيده فلو قتله فقد تخلص من ملكه". هل هذا حقيقي؟ وما
أشد العقوبة للسيد عند قتله عبده؟
كما قال معلمنا :" بأنه لا يقتل الوالد أو الولدة عند قتلهما لابنهما وذلك لأن
الوالدين أعلى درجة من الأولاد. وقد انتشر في بعض البلاد أن يقتل الرجل أو المرأة
أطفالهما لظروف مختلفة (على سبيل المثال، إذا أتى من الزنا)، فهل يقتل الأب أو الأم
في هذا النوع من القتل؟
أفيدوني أفادكم الله وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله.
أولا :
ذهب جمهور الفقهاء إلى اشتراط ما ذكرت من التساوي بين القاتل والمقتول ، ليتم
القصاص ، فلا يقتل الحر بالعبد ، ولا يقتل السيد بعبده .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/ 221) : " فصل : ( ولا حر بعبد ) وروي هذا
عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وزيد ، وابن الزبير ، رضي الله عنهم . وبه قال الحسن ،
وعطاء ، وعمر بن عبد العزيز ، وعكرمة ، وعمرو بن دينار ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق
، وأبو ثور .
ويروى عن سعيد بن المسيب ، والنخعي ، وقتادة ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، أنه يقتل
به ; لعموم الآيات والأخبار ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( المؤمنون تتكافأ
دماؤهم ) . ولأنه آدمي معصوم ، فأشبه الحر .
ولنا ، ما روى الإمام أحمد ، بإسناده عن علي ، رضي الله عنه أنه قال : ( من السنة
أن لا يقتل حر بعبد ) . وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقتل
حر بعبد ) . رواه الدارقطني . ولأنه لا يقطع طرفه بطرفه مع التساوي في السلامة ،
فلا يقتل به ، كالأب مع ابنه ، ولأن العبد منقوص بالرق ، فلم يقتل به الحر " انتهى
.
ثانيا :
إذا قتل السيد عبده ، فإنه لا يقتل به عند جمهور الفقهاء ، لكن يضرب ويعزر ، وقيل :
يجلد ، وينفى ، ويمحى اسمه من الديوان والعطاء .
وذهب الحنفية إلى أن أن الحر يقتل بالعبد - إلا عبد نفسه فلا يقتل به ، وكذا عبد
ولده- . وينظر : الموسوعة الفقهية (23/ 71) .
واستدل الجمهور بالأدلة السابقة ، التي ذكرها ابن قدامة رحمه الله ، وبحديث : (لا
يقاد مملوك من مالك) أخرجه الحاكم ( 4 / 368 ) من حديث عمر بن الخطاب وضعفه الذهبي
.
كما استدلوا مفهوم قوله تعالى : ( الحر بالحر والعبد بالعبد ) ، ولأن العبد منقوص
بالرق فلا يكافئ الحر .
ثالثا :
يقتل الذكر بالأنثى ، في قول جمهور أهل العلم ، منهم الأئمة الأربعة (أبو حنيفة
ومالك والشافعي وأحمد) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/ 235) : " ( ويقتل الذكر بالأنثى ، والأنثى
بالذكر ) هذا قول عامة أهل العلم ; منهم النخعي ، والشعبي ، والزهري ، وعمر بن عبد
العزيز ، ومالك ، وأهل المدينة ، والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وغيرهم .
واستدلوا بقوله تعالى : (النفس بالنفس) . وقوله : (الحر بالحر) . مع عموم سائر
النصوص ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يهوديا رض رأس جارية من الأنصار
. وروى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والأسنان ، وأن الرجل يقتل بالمرأة
. وهو كتاب مشهور عند أهل العلم ، متلقى بالقبول عندهم ، ولأنهما شخصان يحد كل واحد
منهم بقذف صاحبه ، فقتل كل واحد منهما بالآخر ، كالرجلين " انتهى .
رابعا :
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا قصاص على والد يقتل
ولده ، وكذا الأم والأجداد والجدات سواء أكانوا من جهة الأب أم من جهة الأم ، قربوا
أم بعدوا .
وذهب المالكية إلى أنه إن قصد قتل الابن وإزهاق روحه بأن أضجعه فذبحه فإنه يقتص منه
.
"الموسوعة الفقهية" (15/ 122) .
واستدل الجمهور بما روى الترمذي (1400) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (لَا
يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
واستدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ) رواه ابن
ماجه (2291) وابن حبان في صحيحه (2 / 142) من حديث جابر ، وأحمد (6902) من حديث عبد
الله بن عمرو ، والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وقالوا : وإذا لم تثبت حقيقة الملك ، فإن هذه الإضافة تكون شبهة في درء القصاص .
ولأن الأب كان سببا في إيجاد الابن ، فلا يكون الابن سببا في إعدامه .
وهذه الأدلة تخصص العمومات التي استدل بها المالكية .
وعليه ؛ فلو قتل الأب ابنه أو بنته ، لم يقتص منه ، لكنه يعزر بالجلد وغيره ، ويلزم
بدفع الدية.
ولا يخفى أن عدم القصاص ، لا يعني عدم التحريم ، فقتل النفس كبيرة من أعظم الكبائر
.
والله أعلم .