من المتعارف بين مربي الحيوانات أنه إذا أراد أن يعطي بقرة أوشياه لآخر ليربيها ويكون شريكه فيها أن يتفق معه أن له النصف في ولادات هذا الحيوان أما الأم فتبقى ملكا لصاحبها هل هذا صحيح؟
الحمد لله.
هذه الشركة محل خلاف بين العلماء ، وهي دفع ماشية لمن يقوم بتربيتها مقابل جزء من
نمائها ، فمن الفقهاء من أجاز ذلك ، وهو رواية عن أحمد رحمه الله ، واختاره شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وابن القيم رحمه الله . وحجتهم في ذلك : التمسك
بالأصل وهو الإباحة مع عدم الدليل الموجب للمنع ، والقياس على المساقاة والمزارعة .
ومنهم من منع ذلك وجعلها من باب الإجارة والأجرة فيها مجهولة ، وهذا مذهب الجمهور .
ومنهم من منع ذلك لكون النتاج أو النسل ليس من عمل العامل بل هو من رزق الله تعالى
. وهذا مذهب الحنابلة . وأجازوا أن يكون المقابل جزءا من الماشية نفسها ، لا من
نمائها ، كأن يعطيه ماشية ليربيها مقابل أن يكون له ربع الماشية نفسها ، فيصيرا
شريكين ، ويصير النتاج بينهما بحسب نسبة أملاكهما في الشركة ، بشرط تحديد مدة
الشركة ، كسنة مثلا .
قال في "الفروع" (4/ 395) : " وعنه [أي عن الإمام أحمد] : وله دفع دابته أو نخله
لمن يقوم به بجزء من نمائه , اختاره شيخنا , والمذهب : لا ؛ لحصول نمائه بغير عمله
, وبجزء منه يجوز مدة معلومة , ونماؤه ملك لهما " انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله : " تجوز المغارسة عندنا على شجر الجوز وغيره , بأن يدفع
إليه أرضه ويقول : اغرسها من الأشجار كذا وكذا , والغرس بيننا نصفان , وهذا كما
يجوز أن يدفع إليه ماله يتجر فيه , والربح بينهما نصفان , وكما يدفع إليه أرضه
يزرعها , والزرع بينهما , وكما يدفع إليه شجره يقوم عليه , والثمر بينهما , وكما
يدفع إليه بقره أو غنمه أو إبله يقوم عليها , والدر والنسل بينهما , وكما يدفع إليه
زيتونه يعصره , والزيت بينهما , وكما يدفع إليه دابته يعمل عليها , والأجرة بينهما
, وكما يدفع إليه فرسه يغزو عليها , وسهمها بينهما , وكما يدفع إليه قناة يستنبط
ماءها , والماء بينهما , ونظائر ذلك ; فكل ذلك شركة صحيحة قد دل على جوازها النص
والقياس واتفاق الصحابة ومصالح الناس , وليس فيها ما يوجب تحريمها من كتاب , ولا
سنة , ولا إجماع , ولا قياس , ولا مصلحة , ولا معنى صحيح يوجب فسادها .
والذين منعوا ذلك عذرهم أنهم ظنوا ذلك كله من باب الإجارة , فالعوض مجهول فيفسد
...... والصواب جواز ذلك كله , وهو مقتضى أصول الشريعة وقواعدها ; فإنه من باب
المشاركة التي يكون العامل فيها شريك المالك ، هذا بماله , وهذا بعمله , وما رزق
الله فهو بينهما , وهذا عند طائفة من أصحابنا أولى بالجواز من الإجارة , حتى قال
شيخ الإسلام : هذه المشاركات أحل من الإجارة , قال : لأن المستأجر يدفع ماله , وقد
يحصل له مقصوده , وقد لا يحصل , فيفوز المؤجر بالمال والمستأجر على الخطر , إذ قد
يكمل الزرع . وقد لا يكمل , بخلاف المشاركة ; فإن الشريكين في الفوز وعدمه على
السواء , إن رزق الله الفائدة كانت بينهما , وإن منعها استويا في الحرمان , وهذا
غاية العدل ; فلا تأتي الشريعة بحل الإجارة وتحريم هذه المشاركات . وقد أقر النبي
صلى الله عليه وسلم المضاربة على ما كانت عليه قبل الإسلام , فضارب أصحابه في حياته
وبعد موته , وأجمعت عليها الأمة , ودفع خيبر إلى اليهود يقومون عليها ويعمرونها من
أموالهم بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع , ثم لم ينسخه , ولم ينه عنه , ولا امتنع
منه خلفاؤه الراشدون , وأصحابه بعده , بل كانوا يفعلون ذلك بأراضيهم , وأموالهم
يدفعونها إلى من يقوم عليها بجزء مما يخرج منها , وهم مشغولون بالجهاد وغيره . ولم
ينقل عن رجل واحد منهم المنع إلا فيما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من
"إعلام الموقعين" (4/ 15).
فالراجح جواز ذلك ، فيجوز أن يعطي بقرة لغيره ليربيها
ويقوم عليها ويكون شريكا له في نسلها ، مع بقاء البقرة الأم مملوكة لصاحبها .
والله أعلم .