أنا فتاة عمري 16 عاماً ، وأريد في هذه المرحلة من عمري اختيار وظيفة ، ويريد والدي لي أن أعمل في المجال المهني ، واخترت لنفسي مجال طب النساء ؛ حيث لا يوجد فتنة وجميع مرضاي من النساء ، ويتطلب إكمال هذا المجال احتمال رؤية ولمس الأعضاء الخاصة لكل من الرجال والنساء ، فهل هذا جائز ؟ أم يجب عليَّ الاتجاه إلى مجال آخر ، وحيث إنه لا يوجد لدى الآن اختيار آخر موافق للشريعة ؟ .
الحمد لله.
لا يشك أحد في حاجة المجتمعات الإسلامية للمرأة الطبيبة المسلمة التي تقوم على الكشف على نساء المسلمين وعلاجهن ، ويجد كثير من المسلمين حرجاً بالغاً حين يحتاج لطبيبة تكشف على زوجته أو ابنته أو أخته فلا يجد إلا طبيباً رجلاً ! ولذا فإن في تعلم المرأة المسلمة لهذه المهنة الجليلة تحقيق لمصلحة شرعية كبرى .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – : ” ولا شك أن تعلم الطب من فروض الكفايات كما قاله أهل العلم ؛ لأن هذا لا تقوم مصالح الناس إلا به ، وما لا تقوم مصالح المسلمين العامة إلا به : كان من فروض الكفايات وإن لم يكن أصله من العبادات ، ولهذا قال العلماء في قواعدهم المقررة العامة : ” إن المصالح العامة التي يحتاج الناس إليها تكون فرض كفاية ” كالصناعة والنجارة والحدادة وغيرها فإنه إذا لم يقم بها أحد كافٍ صارت فرض كفاية على المسلمين .
فعليه نقول : يجب على أبناء المسلمين في بلاد الإسلام أن يتعلموا مهنة الطب وأن يمارسوها حتى يُستغنى بهم عن غيرهم من النصارى أو غيرهم ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” ( شريط 9 ) .
والأصل أن تحرص الطالبة لعلم الطب على بيئة دراسية غير مختلطة ، وتحرص على اختيار بيئة علمية جادة ، وعلى الطالبة المسلمة الالتزام بأحكام الشرع فيما يتعلق بدراستها من حيث النظر إلى العورات ولمسها ، ولا يجوز لها فعل ذلك إلا في حدود الدراسة والتعلم ، ولمس العورة ومشاهدتها ، وإن كانا محرَّمين عليها في الأصل ، إلا أنه لا يتم الآن تعلم الطب إلا من خلال دروس نظرية وأخرى عملية ، فمن أجل تحقيق تلك المصلحة الشرعية بوجود طبيبات مسلمات ، فإنه يجوز للطالبة مشاهدة عورات الرجال والنساء ولمسها لغرض التعلم ، ويستوي في هذا الحكم الطلاب الذكور والطالبات الإناث .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
يدرس بكلية الطب أمراض النساء والولادة ، ويوجد حالات عملية يحتم على الطالب مشاهدتها ، وهذا يستلزم النجاح في هذه المادة لكي ينتقل إلى المرحلة التالية ، فهذا يسبب مشاكل لنا ، فنرجو من سماحتكم فتوى في الموضوع .
فأجابوا : ” الأصل وجوب ستر العورة من الرجال والنساء ، وعورة الرجل من السرة إلى الركبة ، والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها في الصلاة والإحرام ، وإذا كانت ترى الرجال الأجانب ويرونها وجب عليها ستر وجهها وبدنها ، سواء كانت في الصلاة أو في إحرام حج أو عمرة ، ويجوز كشف العورة إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، ويجوز الاطلاع عليها إذا اقتضت المصلحة الشرعية ذلك ، ومن ذلك اطلاع الطالبات والطلاب على النساء في أثناء إجراء عمليات تتعلق بأمراض النساء والولادة ، وذلك من أجل حصولهم على درجات النجاح في هذه المادة ، من أجل الانتقال إلى المرحلة التالية ، وهكذا حتى يتخرج الطالب والطالبة ، والمصلحة الشرعية المترتبة على القول بجواز ذلك هي توفير عدد كاف من الأطباء والطبيبات من المسلمين ، وإذا منع ذلك في المسلمين نشأ عنه الاحتياج إلى الأطباء والطبيبات من غير المسلمين ، وهذا فيه من المفاسد الشيء الكثير ، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بجلب المصالح ودرء المفاسد .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 24 / 411 ، 412 ) .
ويرى الشيخ محمد بن صالح العثيمين أن النظر إلى العورات بقصد تعلم مهنة الطب جائز من باب أن النظر محرَّم تحريم وسائل ، وما كان كذلك فهو يباح للحاجة ، وحاجة المجتمعات المسلمة لوجود طبيبات لا تُنكر ، فيجوز للطلاب والطالبات النظر إلى العورات بقصد تعلم مهنة الطب .
وقد سئل الشيخ – رحمه الله – :
ما حكم الكشف على عورة المرأة لمعرفة أعراض المرض ؟ وما حكم الطلبة الذين تكشف لهم عورات المريضات للتعلم ؟ .
فأجاب : ” كشف المرأة ما يجب عليها سَتره من أجل مصلحة الطب ببيان ما فيها من مرض وتشخيصه : هذا لا بأس به ؛ لأنه لحاجة ، والحاجة تبيح مثل هذا المحرم ؛ إذ القاعدة المعروفة عند أهل العلم ” أن ما حُرم تحريم الوسائل أباحته الحاجة ، وما حُرم تحريماً ذاتيّاً [ تحريم المقاصد ] فإنه لا يبيحه إلا الضرورة ” ، وذكروا لذلك أمثلة وهي النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه من المرأة للحاجة ، كما يجوز نظر الخاطب إلى ما لا يجوز النظر إليه من أجل مصلحة النكاح ، وكما في هذه المسألة التي سأل عنها الأخ ، فإنه يجوز للطبيب أن يكشف عن المرأة ؛ ليعرف المرض ويشخص أعراضه ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” ( شريط 9 ) .
والحاصل أن ما تتطلبه حاجة التعلم ، والمهنة ، من رؤية العورات ، أو لمسها : يجوز في موطن هذه الحاجة .
والله أعلم