الحمد لله.
ثانيا :
التسمية شرط لحل الذبيحة ، لا تسقط سهوا ولا جهلا ، على الراجح من أقوال أهل العلم
، وينظر جواب السؤال رقم : (85669) .
والأصل في التسمية أن تكون على ذبيحة معينة بقصد تذكيتها .
لكن مع وجود الآلات المكانيكية التي تذبح عددا كبيرا من الدجاج في وقت قصير ، اختلف
العلماء في التسمية المشترطة لحل التذكية بها ، على أقوال :
القول الأول : أنه تجزئ تسمية واحدة ممن يحرك الآلة إذا كانت تذبح عددا من الدجاج
في وقت واحد متصل . وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة ، وصدر به قرار من مجمع الفقه
الإسلامي .
القول الثاني : أنه تجزئ تسمية واحدة من محرك (مشغل) الآلة ، بشرط أن يكون الدجاج
الذي يراد ذبحه معيّنا أمامه ، كأن يكون مصفوفا على سير ونحوه . وبهذا أفتى الشيخ
ابن عثيمين رحمه الله .
القول الثالث : أن التسمية مع هذه الآلات متعذرة ، فلا يحل الذبح بها .
والراجح هو القول الأول ؛
لما سيأتي .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" : " ما حكم الذبح الآلي ؟ وهو أن تذبح الآلات في وقت
واحد عشرات الدجاج بتسمية واحدة طبعا ، وإذا كان شخص واحد يذبح بيده كمية كبيرة من
الدجاج فهل يكفيه تسمية واحدة أم يجب أن يسمي على كل واحدة بعينها ؟
الجواب : أولا : يجوز الذبح بالآلات الحديثة بشرط كونها حادة ، وأن تقطع الحلقوم
والمريء .
ثانيا : إذا كانت الآلة تذبح عددا من الدجاج في وقت واحد متصل فتجزئ التسمية مرة
واحدة ممن يحرك الآلة حين تحريكه إياها بنية الذبح بشرط كون الذابح المحرك مسلما ،
أو كتابيا .
ثالثا : إذا كان الشخص يذبح بيده فيجب أن يسمي تسمية مستقلة على كل دجاجة يذبحها
لاستقلال كل دجاجة بنفسها .
رابعا : يجب أن تكون التذكية في محل الذبح ، وأن يقطع المريء والودجان ، أو أحدهما
.
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله آل
الشيخ" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/ 463) .
وجاء فيها أيضا (22/ 462) :
" هل تجزئ التسمية عند تشغيل الماكينة والتي تتحرك بحركة واحدة ؟ علما بأن التسمية
تكون عند تحريك الماكينة للذبح ولمرة واحدة ؟
الجواب : تجزئ التسمية مرة واحدة ممن يحرك الماكينة حين تحريكه إياها على عدة ذبائح
بنية ذبحها على أن يكون من يحركها مسلما ، أو كتابيا يهوديا ، أو نصرانيا .
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى
.
وجاء في قرار مجمع الفقه
الإسلامي السابق : " ثامناً : الأصل أن تتم التذكية في الدواجن وغيرها بيد المذكي،
ولا بأس باستخدام الآلات الميكانيكية في تذكية الدواجن ما دامت شروط التذكية
الشرعية المذكورة في الفقرة (ثانياً) قد توافرت، وتجزئ التسمية على كل مجموعة
يتواصل ذبحها، فإن انقطعت أعيدت التسمية " انتهى .
لكن لم ينص قرار المجمع على كون التسمية من محرّك الآلة .
وقال الدكتور محمد سليمان الأشقر : " إن التسمية في حال المجموعات الكبيرة، ولو
ذبحت باليد على الطريقة الإسلامية، تكون مرهقة للذباحين، فإنه لو كلف مثلا أن يذبح
(1200) دجاجة في الساعة بمعدل دجاجة كل ثلاث ثوان، لكان إلزامه بأن يقول "بسم الله
والله أكبر" (1200) مرة في الساعة إرهاقا له وعنتا شديدا، والعنت والحرج مرفوع في
الشريعة لقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [ الحج:
78].
ومن هنا أفتت هيئة الفتوى في الكويت ، وكنت أحد أعضائها وقت إصدار هذه الفتيا، بأنه
عند ذبح مجموعة كبيرة من الدواجن يكفي التسمية عليها مرة واحدة عند أولها إن جرى
الذبح بصورة متتابعة دون توقف، فإن جرى توقف لسبب ما، فعلى الذابح أن يسمي على
المجموعة الباقية من جديد " انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" عدد 10 ج 1 ص 346
وأما الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله ، فقد سئل ما نصه :
" قمت بزيارة إلى مزارع الدواجن الوطنية فرأيت كيف يذبحون الدجاج؛ ففي البداية
يعلقون الدجاج يعني حتى ما يستطيع أن يتحرك ثم يمر على الذابح فيذبح بدون تسمية
فسألت، لماذا لا تسمي؟ قال: لأني أنا أسمي في البداية ولا أستطيع أن أسمي على
خمسمائة ألف دجاجة، فأقول عندما أدخل بسم الله، الله أكبر ويكفي هذا، فقلت: من
سألت؟ قال: أهل العلم أفتوا بذلك وأجازوها فما أدري يا فضيلة الشيخ! جواز هذا
الفعل؟
فأجاب : لابد أن يسمي على شيء معين، سواء كانت واحدة أم أكثر -فمثلاً- إذا صف ألف
دجاجة ثم عند تحريك الماكينة قال: باسم الله كفى، فإذا صف له ألف دجاجة -مثلاً- ثم
تحركت الماكينة وتحركت الأمواس يكفي إذا قال: باسم الله على هذه المصفوفة، فإذا صف
له مجموعة أخرى سمى عليها.
السائل: يقول أنا أسمي مرة واحدة ويكفي؟ الشيخ: يعني إلى أن تقف الماكينة لا يجوز
هذا، إذ لابد أن تكون تسميته على معين.
السائل: الأمر الآخر يا شيخ! كنا في زيارة كذلك إلى مزارع استرا في تبوك وهم يذبحون
طيور السمان فماذا يفعلون؟ يعلقون هذه الطيور، وبعد تعليقها تمر على مثل آلة ترش
الماء على هذا الطائر فنوعاً ما يتخدر، ثم يمر على مثل الجدار ومكتوب عليه بسم الله
والله أكبر، ثم يذهب إلى الآلة فيقطع رأسه، وقال المسئول: هذا يجزئ؛ فبسم الله
والله أكبر مكتوب كتابة؟ الشيخ: كل هذا جهل ويجب بارك الله فيك الآن أنك ترفع ما
شاهدت أنت مع إخوانك وتوقعون عليه وترسلونه إلى دار الإفتاء، وتبينون متى كان ذلك،
هل في هذه السنة أو قبل سنوات؛ حتى تبرأ ذمتك لذلك.
السائل: يا شيخ! هم يقولون: إن مجموعة من المشايخ أفتوا بذلك.
الشيخ: لا.
قد يكون بعض المشايخ أفتى بشيء على غير هذا الوجه، ويمكن أنه أفتاه بما قلت أنا أي:
أنه يجمع مجموعة ثم يحرك الماكينة على هذه المجموعة، وإن لم يسم على كل واحد
بعينها، مثل ما لو رأى فرقة من الطير فرماها فقال: بسم الله، فسقط عشرون طائراً
فإنها تحل. اللقاء المفتوح (35/ 27).
والذي يترجح والله أعلم أنه لا يشترط ما ذكره الشيخ رحمه الله من تعيين الدجاج المذبوح ، لأن الاكتفاء بتسمية واحدة هنا هو مقيس على التذكية الاضطرارية في الصيد ، ولا يشترط في الصيد التسمية على معين ، وإنما التسمية على الآلة ، فلو سمى على آلته وأراد صيدا ، فصاد غيره ، حلّ .
وننقل هنا كلاما مفيدا للشيخ
محمد تقي العثماني حفظه الله ، يؤكد ما ذكرنا من أن الأصل هو تعيين الذبيحة
بالتسمية ، وأن الاكتفاء بتسمية واحدة من مشغل الآلة نوع من الترخيص على خلاف الأصل
، مقيس على الذكاة الاضرارية في الصيد ، ويبين أنه لا قيمة لتسمية من يقف إلى جوار
الآلة وليس له فعل في تحريكها وتشغيلها .
قال حفظه الله : " أما قضية التسمية، فإنها صعبة جدا في استخدام هذا الطريق،
فالمشكلة الأولى في تعيين الذابح، لأن التسمية إنما تجب على الذابح، حتى لو سمي رجل
وذبح غيره لا يجوز، فالسؤال إذن، من هو الذابح في هذا الجهاز الميكانيكي؟ فيحتمل أن
نقول: إن من شغل هذا الجهاز لأول مرة يعتبر ذابحا، لأن عمليات الأجهزة الكهربائية
إنما تنسب إلى من شغلها، لأن الآلة ليست من ذوي العقول حتى ينسب إليها الفعل، فينسب
الفعل إلى من استعملها، فيصير هو الفاعل بواسطة الآلة, ولكن المشكلة هنا: أن من
يشغل هذا الجهاز في أول النهار مثلا، إنما يشغله مرة واحدة، ثم لا يزال يسير الجهاز
طول أوقات العمل، وفي بعض الأحيان على مدار الساعة، فيقطع أعناق آلاف من الدجاج,
فإذا سمى من شغله في أول النهار مرة واحدة، فهل تكفي هذه التسمية الواحدة للآلاف من
الدجاج التي تذبح بهذا التشغيل في سائر النهار؟ والظاهر من النص القرآني وَلَا
تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: 121]
أن كل حيوان يحتاج إلى تسمية مستقلة يذبح بعدها على الفور، وعلى هذا الأساس استنبط
الفقهاء أحكاما تدل على أنه يجب أن تكون التسمية على كل حيوان أو على كل فعل.
وذكرت هذه العبارات في بحثي , واستنتجت منها أن الجمهور من الأئمة الذين يشترطون
التسمية عند الذبح يشترطون أن تقع التسمية على حيوان بعينه، وأن تكون عند الذبح،
وألا يفصل بين التسمية وبين الذبح فاصل يعتد به، وهذه الشروط مفقودة في الطريق
المذكور في الجهاز الميكانيكي، فإنه لو سمي من شغله لأول مرة لم يسم على حيوان
بعينه، وقد وقع بين تسميته وبين ذبحه آلاف الدجاج فاصل كبير ربما يمتد إلى نهار
كامل أو يومين، فالظاهر أن هذه التسمية لا تكفي لذكاة هذه الحيوانات بأجمعها.
ثم رأيت في بعض المذابح من مذابح كندا أنهم أوقفوا رجلا عند السكين الدوار وهو لا
يزال يسمي (بسم الله الله أكبر)، تحدثت عن هذه الآلة، وقلت: إن في كون تسميته
معتبرة شرعا إشكالات آتية:
الأول: أن التسمية ينبغي أن تصدر من الذابح، وهذا الرجل الواقف
أمام السكين الدوار لا علاقة له بعملية الذبح، فإنه لم يشغل الجهاز، ولا أدار
السكين، ولا قرب الدجاجة إليه، وإنما هو رجل منفصل عن عملية الذبح تمام الانفصال،
فتسميته ليست من الذابح.
الثاني: أن السكين الدوار تأتي إليه عدة دجاجات بفصل ثوان، ولا
يمكن لهذا الرجل الواقف أن يسمي على كل واحد من هذه الدجاجات من غير فصل.
الثالث: أن هذا الرجل الواقف إنسان، وليس جهازا أوتوماتيكيا،
فلا يستطيع أن لا ينشغل بأي عمل آخر دون التسمية، فربما تعرض له حاجات تشغله عن
التسمية، وفي هذه الأثناء تمر عشرات من الدجاج على السكين الدوار.
وهناك ملحظ آخر في موضوع التسمية على الجهاز الأوتوماتيكي، وهو أن نقيس تشغيل
الجهاز الأوتوماتيكي على إرسال كلب الصيد، حيث لا تجب التسمية عند هلاك الصيد،
وإنما تجب عند إرسال الكلب، وقد يكون بين الإرسال وبين هلاك الصيد فاصل كبير، وقد
يهلك كلب الصيد عدة حيوانات في إرسال واحد، والظاهر أن التسمية الواحدة تكفي لحل
جميعها. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: " وإن سمي الصائد على صيد فأصاب غيره حل،
وإن سمى على سهم ثم ألقاه وأخذ غيره فرمى به لم يبح ما صاده به ".
وهذا، وإن كان متعلقا بالذكاة الاضطرارية، ومسألتنا تتعلق بالذكاة الاختيارية، ولا
تقاس حالة الاختيار على حالة الاضطرار، ولكن إذا نظرنا إلى حاجة إكثار الإنتاج في
أسرع وقت، وذلك لازدياد العمران، وتكاثر عدد المستهلكين، وقلة الذابحين، وإلى أن
الشريعة إنما أسقطت اعتبار تعيين الصيد لمشقته، كما يقول ابن قدامة رحمه الله،
والمعهود من الشريعة في مثله دفع الحرج، فإن ذلك قد يبدو مبررا لقياس حالة الاختيار
على حالة الاضطرار في موضوع التسمية فقط، دفعا للحرج وتيسيرا على الناس, ولست أجزم
بمدى قوة هذا الملحظ، ولكن أردت أن أطرحه للبحث أمام العلماء للبت في هذا الموضوع,
ولم أفت بذلك حتى الآن، وخاصة في حين أن عندنا بديلا مناسبا للسكين الدوار، وهو
يلبي جميع حاجات الإنتاج في نفس الوقت، وذلك أن يزال السكين الدوار عن موضعه في
الجهاز، ويقوم في محله أربعة أشخاص مسلمين يتناوبون في قطع حلقوم الدجاج مع ذكر اسم
الله تعالى، كلما تمر عليهم العلاقات بالدجاج.
وهذا أمر اقترحته على مذبح كبير في جزيرة ري يونين، فعملوا بذلك، وقد دلت التجربة
على أن ذلك لم ينقص من كمية الإنتاج شيئا، وذلك لأن هؤلاء الأشخاص يقطعون حلقوم
الدجاج في نفس الوقت الذي كان السكين الدوار يقطعه " انتهى كلام الشيخ محمد التقي
العثماني من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" عدد 10 ج 1 ص 541- 544
وحاصل ما تقدم :
1- أن صعق الدجاج بالكهرباء يلزم تجنبه ، ولا يجوز للجمعية المشرفة على الذبح أن
ترخص فيه ما لم تتأكد من عدم إفضائه لقتل شيء من الدجاج .
2- أنه يكفي تسمية من يشغل الآلة عند تشغيلها ، وتعاد التسمية عند توقفها .
3- أن تسمية الأشخاص الخمسة الواقفين عند الآلة ، لا قيمة لها ، بل هي عبث ينبغي
التوقف عنه .
4- أن على الجمعيات المشرفة على الذبح الشرعي أن تراعي الشروط والضوابط اللازمة
لذلك ، وألا تتساهل في تطبيقها ، وأن تسعى لأن يكون الذبح باليد بدلا عن الآلة ،
على ما ورد في اقتراح الشيخ محمد تقي العثماني ، وذلك تلافيا لمشكلة الصعق
الكهربائي ، والتسمية ، وتلافيا لاحتمال وقوع الذبح لبعض الدجاج في غير موضع الذبح
، عند مروره على السكين الدوار ؛ لتفاوت الدجاج في الطول والقصر ، وهذه مشكلة أشار
لها بعض الباحثين .
والله أعلم .