الحمد لله.
وأما إذا لم يكن المال يتعلق بالبنوك
الربوية وأمثالها من المؤسسات الربوية : فيظهر لنا أن عملك جائز من حيث الأصل .
ثانياً:
لا نرى أن عملك هذا جائز لما يسبِّبه من تضييع الصلوات إذا كنتَ ستستمر على طريقتك
في إقامة الصلوات ، فأنت بسبب العمل تضيع صلوات الفجر والمغرب والعشاء ! أما الفجر
فواضح بسبب صلاتك لها الساعة الواحدة ظهراً ! وأما المغرب والعشاء فلصلاتك لهما
الساعة الواحدة ليلاً ! ولتعلم أن وقت صلاة العشاء ينتهي عند منتصف الليل ! فتكون
بذلك مؤديّاً للصلاتين في غير وقتهما الشرعي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " يجب على كل مسلم أن يصلي الصلوات
الخمس في مواقيتها ، وليس لأحد قط أن يؤخر الصلاة عن وقتها لا لعذر ولا لغير عذر ،
لكن العذر يبيح له شيئين يبيح له ترك ما يعجز عنه ويبيح له الجمع بين الصلاتين "
انتهى من " مجموع فتاوى ابن تيمية " ( 21 / 428 ) .
وانظر جواب السؤال رقم (
52923 ) ففيه حكم من ترك صلاة واحدة عمداً حتى خرج وقتها
وفيه بيان من قال بكفر من فعل ذلك .
وعليه :
فلو فرضنا أن عملك مباح في الأصل فإنه إذا كان يؤدي لأن تترك صلاة الفجر حتى تصليها
بعد خروج وقتها ، ويجعلك تصلي المغرب والعشاء بعد خروج وقتهما : فلا شك في حرمة
عملك هذا ، وانظر جواب السؤال رقم (
36784 ) .
والذي يجب عليك أن تصلي الصلوات في وقتها ، قدر الطاقة ، وما عجزت عنه لنوم طارئ ،
أو نسيان : تصليه في وقت استيقاظك ؛ وحينئذ ؛ فعليك أن تستيقظ لصلاة الفجر ،
وتؤديها في وقتها ، ولك أن تنام بعدها إلى صلاة الظهر ، وهو وقت كافٍ جدّاً في
العادة ، ثم تصلي العصر في وقته ، وليس عندك شغل ولا نوم .
ويبقى النظر في المغرب والعشاء : فالواجب عليك في معتاد الأحوال أن تصليهما في
وقتهما ، فإن طرأ لك طارئ ، أو كان معك مال تخشى عليه الضيعة أو السرقة : فلا بأس
من جمعهما في وقت المغرب تقديماً ، أو في وقت العشاء تأخيراً – وانظر جوابي
السؤالين ( 118486 ) و (
20712 ) - على أن لا يتجاوز وقت أدائهما منتصف الليل ، ولا
يحل لك أداء هاتين الصلاتين بعد منتصف الليل ، وليس العمل عذراً في تأخير الصلاة عن
وقتها ، وإنما يباح في حال الحرج بسبب طبيعة العمل الجمع بين الصلاتين لا تأخيرهما
حتى يخرج وقت الثانية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " ويجوز الجمع أيضا للطباخ ، والخباز ،
ونحوهما ، ممن يخشى فساد ماله " انتهى من " الفتاوى الكبرى " ( 5 / 351 ) .
وقال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (2/336) : " وَمِنْهَا: مَا، قَالَهُ فِي
الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: يَجُوزُ الْجَمْعُ لِمَنْ لَهُ شَغْلٌ أَوْ عُذْرٌ
يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ
حَرَمِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . انْتَهَى، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي
رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُشَيْشٍ: الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ إذَا كَانَ عَنْ
ضَرُورَةٍ مِثْلُ مَرَضٍ أَوْ شُغْلٍ. قَالَ الْقَاضِي: أَرَادَ بِالشُّغْلِ مَا
يَجُوزُ مَعَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ
أَوْ مَالِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ
الْبَحْرَيْنِ: وَهَذَا مِنْ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْذَارَ الْجُمُعَةِ
وَالْجَمَاعَةِ كُلَّهَا تُبِيحُ الْجَمْعَ ، وَقَالَا أَيْضًا: الْخَوْفُ يُبِيحُ
الْجَمْعَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ ،
وَأَوْلَى، لِلْخَوْفِ عَلَى ذَهَابِ النَّفْسِ وَالْمَالِ مِنْ الْعَدُوِّ. قَالَ
فِي الْفُرُوعِ وَشَرْحِهِ، [وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ] مُرَادَ الْقَاضِي غَيْرُ
غَلَبَةِ النُّعَاسِ. قُلْت: صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْوَجِيزِ. فَقَالَ: وَيَجُوزُ
الْجَمْعُ لِمَنْ لَهُ شُغْلٌ أَوْ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ
وَالْجَمَاعَةِ، عَدَا نُعَاسٍ وَنَحْوِهِ ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ كَلَامِ
الْقَاضِي قُلْت: إلَّا النُّعَاسَ ، وَجَزَمَ فِي التَّسْهِيلِ بِالْجَوَازِ فِي
كُلِّ مَا يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيَّ الدِّينِ
جَوَازَ الْجَمْعِ لِلطَّبَّاخِ، وَالْخَبَّازِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّنْ يُخْشَى
فَسَادُ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ بِتَرْكِ الْجَمْعِ" . انتهى ، وينظر : "كشاف
القناع" (2/6) ، الفروع وتصحيحه (3/108) ، حاشية الروض (1/488-489، 2/359-360) .
والحاصل :
أن الواجب عليك أن تصلي الفجر في وقتها ، وتجعل نومك وراحتك بين الفجر والظهر ، فإن
نمت قبل الفجر ، وجب عليك أن تأخذ بأسباب استيقاظك للصلاة قبل طلوع الشمس ، ثم تصلي
الظهر والعصر في وقتهما ، ثم المغرب والعشاء بحسب الحال ؛ فإن كنت في حال عذر ، كما
قدمنا : جمعت بينهما ، وإن كنت في حال سعة ، وليس معك ما تخاف عليه ، أو معك من
يحرس لك المال : فصل الصلاة لوقتها .
والله أعلم