لا يصح الحديث الطويل في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة
أريد أن أسأل فضيلتكم عن حديث للنبي صلى الله عليه وسلم ، يسمى " وصية أبي هريرة " ، وفيه : حدثنا سلمة ، عن عمر ، عن سليمان بن مكحول الشامي قال : أخبرنا أبو فرة قال : حدثنا ابن الحارث الدوسي أنه قال لنا : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إني قسمت الليل ثلاثة أثلاث : الأول للرقاد فيه ، والثلث الثاني أدرس فيه ما أسمع منك من العلوم ، والثلث الثالث أصلي فيه ، وأنا أخاف أن أنسى ما حدثتنا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة افرش عباءتك تحتي حتى أرقد عليها ثم أوصيك بوصية أجمع لك فيها الدين والدنيا والآخرة ، ثم تطرح عباءتك على ظهرك فإنه يدخل العلم كله في قلبك فلا تنساه )
ثم بدأ الوصية وهي وصية طويلة ، فهل ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب
الحمد لله.
هذه الوصية يرويها الإمام الطبراني رحمه الله في جزء مفقود لم نقف عليه ، غير أن
الحافظ ابن مندة سماه ضمن مؤلفات الطبراني ، وذلك في ترجمته لحياة الطبراني في جزء
صغير بعنوان " جزء فيه ذكر أبي القاسم الطبراني " (ص/364) ، ويرويها ابن خير
الإشبيلي ( المتوفى سنة 575هـ) في " الفهرست " له (ص/243) ، فيقول :
" كتاب وَصِيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي هُرَيْرَة : حَدثنِي بهَا
القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ رَحمَه الله قَالَ : حَدثنَا أَبُو الْحُسَيْن
الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار الصَّيْرَفِي رَحمَه الله قَالَ : حَدثنَا أَبُو
الْقَاسِم الْأَزجيّ قَالَ : حَدثنَا أَبُو بكر الْمُفِيد ، عَن عبد الله بن
مُحَمَّد الطوسي ، عَن أَبِيه ، عَن حَمَّاد بن عَمْرو ، عَن الْفضل بن غَالب ، عَن
مَكْحُول ، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ " انتهى.
ويرويها الإمام ابن الجوزي رحمه الله في " الموضوعات " (3/186) فيقول :
أنبأنا محمد بن أبي طاهر ، أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي ، حدثنا أبو القاسم عبيد
الله بن عمرو بن محمد بن المنتاب ، حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا
أبو بكر محمد بن السري الصيرفي ، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار ، حدثنا حماد بن
عمرو ، عن الفضيل بن غالب ، عن مسلمة بن عمرو ، في نسخة مسلمة ، عن عمر بن سليمان ،
عن مكحول الشامي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا أبا هريرة ! إذا توضأت فقل : بسم الله ، والحمد لله ، فإن حفظتك لا تستريح
تكتب لك حسنات حتى تفرغ من ذلك الوضوء .
يا أبا هريرة ! إذا أكلت طعاما فقل : بسم الله والحمد لله ؛ فإن حفظتك لا تستريح
تكتب لك حسنات حتى تنبذه عنك .
يا أبا هريرة ! إذا غشيت أهلك وما ملكت يمينك فقل بسم الله والحمد لله ؛ فإن حفظتك
لا تستريح ، تكتب لك حسنات حتى تغتسل من الجنابة ، فإذا اغتسلت من الجنابة غفر لك
ذنوبك .
يا أبا هريرة ! فإن كان لك من تلك الوقعة ولد كتب لك حسنات بعدد نفس ذلك الولد
وعقبه حتى لا يبقى منه شيء .
يا أبا هريرة ! إذا ركبت دابة فقل : بسم الله والحمد لله تكن من العابدين حتى تنزل
من ظهرها .
يا أبا هريرة ! إذا ركبت السفينة فقل : بسم الله والحمد لله تكتب من العابدين حتى
تخرج منها .
يا أبا هريرة ! إذا لبست ثوبا فقل : بسم الله والحمد لله يكتب لك عشر حسنات بعدد كل
سلك فيه)
وذكر تمام الوصية ، وهي في خبر طويل ، لم أر التطويل بذكرها " انتهى .
وهذا الإسناد فيه حماد بن عمرو النصيبي ، الوضاع الكذاب ، قال البخاري : منكر
الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال ابن حبان : كان يضع الحديث وضعا ،
ينظر ترجمته في " ميزان الاعتدال " (1/598) .
والفضل بن غالب لم نجد ترجمته في شيء من كتب الرجال والأسانيد .
ومكحول الشامي لم يسمع أبا هريرة ، وحديثه عنه مرسل ، كما في " تهذيب التهذيب "
(10/292) .
وهكذا فالإسناد مشتمل على عدد من العلل وأسباب الضعف والوهاء .
لذلك قال الإمام ابن الجوزي بعد إخراجه الحديث :
" هذا حديث ليس له أصل ، وفي إسناده جماعة مجاهيل لا يعرفون أصلا ، ولا نشك أنه من
وضع بعض القصاص أو الجهال ، وقد خلط الذي وضعه في الإسناد ، ومن المعروفين في
إسناده حماد بن عمرو ، قال يحيى : كان يكذب ويضع الحديث ، وقال ابن حبان : كان يضع
الحديث وضعا على الثقات ، لا يحل كتب حديثه إلا على وجه التعجب " انتهى من "
الموضوعات " (3/186) .
وقد رأينا في تخريج الإمام العراقي لأحاديث الإحياء قوله :
" حديث : ( يا أبا هريرة إن كل حسنة تعملها توزن يوم القيامة إلا شهادة أن لا إله
إلا الله ، فإنها لا توضع في ميزان ؛ لأنها لو وضعت في ميزان من قالها صادقاً ووضعت
السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن كان لا إله إلا الله أرجح من ذلك ) .
قلت – أي الحافظ العراقي - : وصية أبي هريرة هذه موضوعة ، وآخر الحديث رواه
المستغفري في الدعوات " انتهى من " إحياء علوم الدين " (1/297) .
فالوصية مكذوبة موضوعة لا يجوز تصديقها ولا التحديث بها ، وقد وردت لبعض جملها طرق
أخرى منكرة أيضا :
من ذلك ما رواه الطبراني في " المعجم الصغير " (1/131) قال : " حدثنا أحمد بن مسعود
الزنبري أبو بكر بمصر , حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي ، حدثنا عمرو
بن أبي سلمة ، حدثنا إبراهيم بن محمد البصري ، عن علي بن ثابت ، عن محمد بن سيرين ،
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا
هريرة ! إذا توضأت فقل : بسم الله والحمد لله ؛ فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك
الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء ) لم يروه عن علي بن ثابت ـ أخو عزرة بن ثابت ـ إلا
إبراهيم بن محمد ، تفرد به عمرو بن أبي سلمة " انتهى.
وقد حكم العلماء على هذا الطريق بأنه منكر .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" إبراهيم" بن محمد بن ثابت الأنصاري ، شيخ لعمرو بن أبي سلمة التنيسي ، روى مناكير
انتهى ، ذكره ابن عدي فقال : مدني روى عنه مناكير ، وساق له ثلاثة ، ثم قال : وله
غير ذلك ، وأحاديثه صالحة محتملة .
وأخرج الطبراني في الصغير من طريق عمرو بن أبي سلمة ، عن إبراهيم بن محمد البصري ،
عن علي بن ثابت ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة رفعه : ( يا أبا هريرة إذا توضأت فقل
: بسم الله ، والحمد لله ... الحديث، وهو منكر ، وذكره ابن حبان في الثقات " انتهى
من " لسان الميزان " (1/98) .
والخلاصة أن هذه الوصية موضوعة مكذوبة ، ليس لها إسناد قائم ، وقد زاد فيها بعض
الرواة ما شاؤوا من الوصايا ونسبوها للنبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .