الرجعة لا يشترط فيها علم الزوجة
أنا مطلقه طلقه أولى رجعية ، وانتهت عدتي بالطهارة من ثلاث حيضات بعد الطلاق من شهرين ، وزوجي في خلال فتره العدة لم يراجعني , لكنه أستاذ في التلاعب ، وبيننا العديد من القضايا , فأنا أخشى أنه يكون أرجعني ولم يخطرني بذلك , لأن هناك قضيه خلع مرفوعة عليه ، وبوقوع الطلاق انتفت أسباب رفع القضية ، وبذلك تلغى القضية , فأنا أخشى بعد إلغاء القضية أجد أنه راجعني بدون علمي , مع العلم أنه طلقني عند مأذون ، ومعي الآن قسيمة بالطلاق الرجعى , فأرجوكم أفيدوني ماذا أفعل ؟, وهل لابد لكي يراجعني أن يراجعني عند نفس المأذون الذي قام بتطليقي وفي نفس الدفتر أم لا ؟ وشكرا لكم ، وجزاكم الله بكل الخير .
الجواب
الحمد لله.
أولا :
للزوج أن يرجع مطلقته الرجعية أثناء العدة ، ولا يشترط حضورها ولا علمها ، ولا أن تكون الرجعة عند مأذون ، سواء طلق عند مأذون أو لا .
ويستحب أن يُشهد شاهدين على الرجعة ، وقيل : يجب الإشهاد .
قال ابن قدامة رحمه الله : " قال : ( والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين : اشهدا أني قد راجعت امرأتي ، بلا ولي يحضره , ولا صداق يزيده ، وقد روي عن أبي عبد الله - رحمه الله - رواية أخرى , أنه تجوز الرجعة بلا شهادة ) وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي , ولا صداق , ولا رضى المرأة , ولا علمها بإجماع أهل العلم ; لما ذكرنا من أن الرجعية في أحكام الزوجات , والرجعة إمساك لها , واستبقاء لنكاحها , ولهذا سمى الله - سبحانه وتعالى - الرجعة إمساكا , وتركها فراقا وسراحا , فقال : ( فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ) . وفي آية أخرى : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، وإنما تشعث النكاح بالطلقة وانعقد بها سبب زواله , فالرجعة تزيل شعثه , وتقطع مضيه , إلى البينونة , فلم يحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح .
فأما الشهادة ففيها روايتان ; إحداهما , تجب ، وهذا أحد قولي الشافعي ; لأن الله تعالى قال : ( فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم ) ، وظاهر الأمر الوجوب , ولأنه استباحة بضع مقصود , فوجبت الشهادة فيه , كالنكاح , وعكسه البيع .
والرواية الثانية , لا تجب الشهادة ، وهي اختيار أبي بكر , وقول مالك , وأبي حنيفة ; لأنها لا تفتقر إلى قبول , فلم تفتقر إلى شهادة , كسائر حقوق الزوج , ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد , كالبيع ، وعند ذلك يحمل الأمر على الاستحباب ، ولا خلاف بين أهل العلم , في أن السنة الإشهاد " انتهى من "المغني" (7/ 403).
وبهذا تعلمين أن زوجك قد يكون راجعك أثناء العدة ، وتصح رجعته ، سواء راجعك عند مأذون أو لا ، لكنه إن جاء بعد انقضاء عدتك وادعى المراجعة : طولب بالبينة ، وهي شهادة شاهدين ، إلا إن صدقتيه في دعواه ، فيكفي ذلك وتعودين إليه .
ولو أن المرأة تزوجت بعد انقضاء عدتها ، ثم ادعى زوجها الأول أنه راجعها دون علمها ، وأقام البينة على ذلك : رُدت إليه .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وجملة ذلك , أن زوج الرجعية إذا راجعها , وهي لا تعلم , صحت المراجعة ; لأنها لا تفتقر إلى رضاها , فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها ، فإذا راجعها ولم تعلم , فانقضت عدتها , وتزوجت , ثم جاء وادعى أنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها , وأقام البينة على ذلك , ثبت أنها زوجته , وأن نكاح الثاني فاسد ; لأنه تزوج امرأة غيره , وتُرد إلى الأول , سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل بها ، هذا هو الصحيح , وهو مذهب أكثر الفقهاء ; منهم الثوري , والشافعي , وأبو عبيد , وأصحاب الرأي ، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه .
وعن أبي عبد الله , - رحمه الله - , رواية ثانية , إن دخل بها الثاني فهي امرأته , ويبطل نكاح الأول ، روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو قول مالك ، وروي معناه عن سعيد بن المسيب , وعبد الرحمن بن القاسم , ونافع " انتهى من "المغني" (7/ 411).
وبناء على ذلك ، فلعلك تراجعين أحد المحامين لينظر هل يمكن إعادة قضية الخلع بسهولة بعد إغلاقها ، أو هل يمكن إبقاؤها دون إغلاق ، أو محاولة معرفة موقف الزوج بأي وسيلة ، لتعلمي هل راجعك قبل انتهاء عدتك ، أم لا ؛ حتى تكوني على بينة من أمرك .
ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ، ويقضي لك الخير حيث كان .
والله أعلم .