شهدت امرأة اشتهرت بالكذب أنها أرضعت من يريد خطبتها ، فهل يقبل قولها ؟
لدينا في العائلة امرأة اشتهرت بالكذب ، وعندما أراد أخ لي بخطبة فتاة زعمت هذه المرأة أنها أرضعت تلك الفتاة مما يجعل الشاب محرما للفتاة ، فهل يعتد بما قالت ، أو لا تثبت الرضاعة بقول المرأة التي تُعرف بالكذب ؟
الجواب
الحمد لله.
اختلف العلماء في إثبات الرضاع بشهادة امرأة ، فذهب الجمهور إلى أن الرضاع لا يثبت
بشهادة امرأة واحدة ، واختلفوا في العدد الذي يثبت به الرضاع .
وذهب الحنابلة إلى ثبوت الرضاع بشهادة امرأة واحدة ؛ واستدلوا على ذلك بما رواه
البخاري (5105) عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً
فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا ، فَأَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ
بِنْتَ فُلَانٍ ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَتْ لِي : إِنِّي قَدْ
أَرْضَعْتُكُمَا ، وَهِيَ كَاذِبَةٌ ، فَأَعْرَضَ عَنِّي فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ
وَجْهِهِ قُلْتُ : إِنَّهَا كَاذِبَةٌ ، قَالَ : ( كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ
أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْك ) .
والراجح ما ذهب إليه الحنابلة من أن الرضاع يثبت بشهادة امرأة واحدة ؛ للحديث
السابق ، بشرط أن تكون مرضية غير متهمة في شهادتها .
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (8/153) : " وإذا شهدت امرأة واحدة على
الرضاع , حرم النكاح ، إذا كانت مرضية " انتهى .
وقال البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " (5/457) : " ( وإن شهد به ) أي الرضاع (
امرأة واحدة مرضية على فعلها ) بأن شهدت أنها أرضعته خمسا في الحولين ( أو ) شهدت
امرأة مرضية على ( فعل غيرها ) بأن شهدت أن فلانة أرضعته خمسا في الحولين ( أو )
شهد بذلك ( رجل واحد ثبت ) الرضاع ( بذلك ولا يمين ) على المشهود له ، ولا على
الشاهدة ؛ لما روى عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب
فجاءت أمة سوداء فقالت : قد أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له
فقال : ( وكيف وقد زعمت ؟ فنهاه عنها ) ، وفي رواية ( دعها عنك ) رواه البخاري ...
، وغير المرضية لا تقبل " انتهى .
وبناء على ما سبق من ترجيح مذهب الحنابلة ، فهذه المرأة التي اشتهرت بالكذب ، فإنه
لا يقبل قولها فيما ادعته من أنها أرضعت تلك المرأة ؛ لأنها غير ثقة .
لكننا ننصح أيضا بالتأني في مثل ذلك ، والنظر إلى قرائن الأحوال ، فإن كان لقولها
وجه من الصحة ؛ كأن تكون ذات ولد في الوقت الذي ادعت فيه الرضاع ، وجرى مثل ذلك
الأمر بينكم : فالاحتياط بترك هذه الخطبة أمر حسن ؛ لا سيما والشأن هنا في خطبة ،
لو تركها الإنسان من غير علة ولا سبب : لم يقع في محظور شرعي ، ولا حرج أو مشقة
زائدة .
وأما فسخ نكاح ثابت قبل ذلك ، فهذا لا يقدم على فسخه بقول مثل هذه المرأة .
والله أعلم