أريد أن أعرف ما هي الفائدة من زواج البنات اللاتي لم تبلغ بعد ؟ ما أعرفه هو أنه وفقا للآية رقم 4 في سورة الطلاق أنه حلال الزواج من البنت التي لم تبلغ ، وما قرأته هنا أنه لا يجوز الجماع إلا بعد أن تبلغ هذه البنت الصغيرة ، ولكني لم أقرأ أي سبب لزواج مثل هذا ، أو أي فائدة له ، لذا أريد أن أعرف ما هي الفائدة من هذا الزواج ؟ ما أظنه هو أنه بالتأكيد أن الله - سبحانه وتعالى - له حكمة بالغة ، ولكني لا أستطيع أن أتوصل لأي سبب يجعل رجلاً يتزوج من طفلة صغيرة ليس من حقها حتى أن تختار مَن تتزوج ، لذا مِن فضلكم هل يمكن أن توضح لي بعض أسباب لزواج مثل هذا ؟ . و جزاكم الله خيراً .
الحمد لله.
أولاً:
ذهب جماهير العلماء إلى صحة زواج الصغيرة قبل البلوغ ، وقد نقل كثير من العلماء الإجماع عليه ، ولا يُعرف مخالف لهذا الإجماع إلا ابن شبرمة وعثمان البتي رحمهما الله ، ومن أدلة الجمهور قوله تعالى : ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) الطلاق/ 4 ، ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى ذكر عدة المطلقة الصغيرة قبل الحيض ، وهذا يعني أنها غير بالغة ، ولا يمكن أن يصح طلاقها – أو فسخ نكاحها - ويُذكر له عدة ، إلا مع صحة عقد النكاح .
وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا خيار للزوجة إذا بلغت ، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها وهي ابنة سبع سنين ولم يخيِّرها عند البلوغ .
ثانياً:
ينبغي التنبيه ها هنا على أمور :
1. أن هذا الجواز في إنكاح الصغيرة إنما هو للأب لا لغيره ، وهو قول جمهور العلماء ، وهو الصواب ، خلافاً لمن أجاز للجد ، وخلافاً لمن أجاز لغير الأب بشرط تخييرها عند البلوغ .
قال الشافعي – رحمه الله - : " وليس لأحدٍ غير الآباء أن يزوج بكراً ولا ثيباً صغيرة لا بإذنها ولا بغير إذنها ، ولا يزوج واحدة منهما حتى تبلغ فتأذن في نفسها ، وإن زوَّجها أحد غير الآباء صغيرة : فالنكاح مفسوخ ولا يتوارثان ولا يقع عليها طلاق وحكمه حكم النكاح الفاسد في جميع أمره لا يقع به طلاق ولا ميراث " انتهى من " الأم " ( 5 / 18 ) .
فإذا كانت البنت يتيمة ليس لها أب : فإذا بلغت تسع سنين : صح تزويجها بإذنها ، ولا خيار لها إذا بلغت ، ولا يصح تزويجها قبل ذلك ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وهو الذي رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية .
2. أن يكون هذا النكاح من أجل مصلحة للصغيرة لا للأب أو غيره .
قال الشوكاني – رحمه الله - : " أمّا مع عدم المصلحة المعتبرة : فليس للنكاح انعقادٌ من الأصل ، فيجوز للحاكم بل يجب عليه التفرقة بين الصغيرة ومَن تزوجها ، ولها الفرار متى شاءت ، سواء بلغت التكليف أم لم تبلغ ، ما لم يقع منها الرضا بعد تكليفها " انتهى من " وبل الغمام على شفاء الأوام " ( 2 / 33 ) .
3. لا يعني جواز نكاحها أن تسلَّم لزوجها ، بل لا يفعل ذلك إلا عندما تصلح للوطء .
4. لا علاقة للبلوغ بالجماع بل حينما تكون صالحة للوطء فإنه يجوز لزوجها وطؤها .
وعليه : فإذا عقد للزوجة غير أبيها كعمها أو جدها أو أخيها : فالنكاح غير صحيح ، وإذا كان التزويج لأجل مصلحة الأب أو أحد غير الزوجة : فالعقد غير صحيح ، ولا يحل تسليمها لزوجها قبل أن تكون صالحة للوطء ، ولا يشترط أن يكون ذلك بعد بلوغها بل يمكن أن يكون قبل ذلك .
ولتنظر أجوبة الأسئلة ( 146882 ) و ( 22442 ) و ( 44990 ) و ( 127176 ) .
ثالثاً:
ينبغي للمسلم أن يعلم أن في تشريع الله تعالى الحكمة البالغة ، وأنه ليس فيه إلا ما يصلح الفرد والمجتمع ، وأما الأسباب التي يمكن أن تدعو الأب إلى فعل ذلك ، فكثيرة ، وهي كلها لمصلحتها هي لا لمصلحة غيرها .
قال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز الجبرين – حفظه الله - : " من المعلوم أن الكفء عزيز وجوده ، وقد يكون هناك حاجة ماسة للصغيرة تقتضي تزويجها في وقت من الأوقات ، كأن تكون في زمان أو مكان كثرت فيه الفتن ، أو يكون والدها فقيراً معدَماً ، أو عاجزاً عن الكسب أو عن رعاية أسرته لأي سبب من الأسباب ، فتحتاج الصغيرة إلى من يحفظها ويصونها وينفق عليها ، ولذلك فإنه من المصلحة للصغيرة أن يُعطى مَن لديه الحرص على مصلحتها والشفقة عليها كأبيها الحق في تزويجها مَن يرى أن مصلحتها في الزواج منه ، وعدم تضييع وتفويت الكفء الذي لا يوجد في كل وقت ، والذي يحصل لها غالباً بزواجها منه مصالح كثيرة في حاضرها ومستقبلها في دينها ومعيشتها وغير ذلك " انتهى من بحث بعنوان " ولاية تزويج الصغيرة " ، المنشور في " مجلة البحوث الإسلامية " ( 33 / 256 ) .
وقال الشيخ – حفظه الله – بعد ذِكر تلك المصالح - : " ولذلك فإنه يجب على الأب أن يتقي الله جل وعلا ، وأن يقوم بهذه الأمانة التي حمَّله الله إياها خير قيام ، وأن يكون هدفه عند تزويج ابنته الصغيرة مراعاة مصالحها ، لتتحقق هذه المصالح الكثيرة .
هذا ، ومن أجل ضمان تزويج الأب ابنته الصغيرة ممن في زواجها منه مصلحة لها : فقد ذكر بعض العلماء لصحة تزويجه إياها شروطا أهمها :
ا. ألا يكون بينها وبين والدها عداوة ظاهرة .
2 . ألا يكون بينها وبين الزوج عداوة .
3 . ألا يزوجها بمن في زواجها منه ضرر بين عليها كهرِم ومجبوب ونحو ذلك .
4 . أن يزوجها بكفء غير معسر بصداقها .
انتهى من " مجلة البحوث الإسلامية " ( 33 / 256 ، 257 ) .
والله أعلم