الحمد لله.
واختلف في استحباب سكوته
ليقرأ المأموم الفاتحة ، على قولين .
قال ابن قدامة رحمه الله: "يستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة سكتة يستريح
فيها، ويقرأ فيها من خلفه الفاتحة، كي لا ينازعوه فيها. وهذا مذهب الأوزاعي،
والشافعي، وإسحاق.
وكرهه مالك، وأصحاب الرأي.
ولنا، ما روى أبو داود، وابن ماجه أن، سمرة، حدث، أنه حفظ عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سكتتين ؛ سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة ( غير المغضوب عليهم ولا
الضالين ) فأنكر عليه عمران، فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب، فكان في كتابه إليهما،
أن سمرة قد حفظ.
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: للإمام سكتتان، فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب،
إذا دخل في الصلاة وإذا قال ولا الضالين .
وقال عروة بن الزبير: أما أنا فأغتنم من الإمام اثنتين، إذا قال: ( غير المغضوب
عليهم ولا الضالين ) ، فأقرأ عندها، وحين يختم السورة، فأقرأ قبل أن يركع.
وهذا يدل على اشتهار ذلك فيما بينهم. رواه الأثرم " انتهى من "المغني"(1/291)
وينظر "المجموع"(3/362) وحديث سمرة رضي الله عنه "ضعفه" الشيخ الألباني رحمه الله
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" ولا يستحب للإمام السكوت ليقرأ المأموم عند جماهير العلماء، وهذا مذهب أبي حنيفة
ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم. وحجتهم في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن
يسكت ليقرأ المأمومون, ولا نقل هذا أحد عنه, بل ثبت عنه في الصحيح سكوته بعد
التكبير للاستفتاح, وفي السنن: ( أنه كان له سكتتان سكتة. في أول القراءة، وسكتة
بعد الفراغ من القراءة ). وهي سكتة لطيفة للفصل لا تتسع لقراءة الفاتحة.
وقد روي أن هذه السكتة كانت بعد الفاتحة, ولم يقل أحد: إنه كان له ثلاث سكتات, ولا
أربع سكتات, فمن نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سكتات أو أربع، فقد قال
قولاً لم ينقله عن أحد من المسلمين, والسكتة التي عقب قوله: ( ولا الضالين ) من جنس
السكتات التي عند رءوس الآي. ومثل هذا لا يسمى سكوتاً; ولهذا لم يقل أحد من
العلماء: إنه يقرأ في مثل هذا...
وقد اختلف العلماء في سكوت الإمام على ثلاثة أقوال:
فقيل: لا سكوت في الصلاة بحال, وهو قول مالك.
وقيل: فيها سكتة واحدة للاستفتاح, كقول أبي حنيفة.
وقيل فيها: سكتتان, وهو قول الشافعي, وأحمد وغيرهما؛ لحديث سمرة بن جندب: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان له سكتتان: " سكتة حين يفتتح الصلاة، وسكتة إذا فرغ من
السورة الثانية. قبل أن يركع " فذكر ذلك لعمران بن حصين، فقال: كذب سمرة فكتب في
ذلك إلى المدينة إلى أبي بن كعب، فقال: صدق سمرة، رواه أحمد واللفظ له وأبو داود
وابن ماجه، والترمذي، وقال حديث حسن. وفي رواية أبي داود: ( سكتة إذا كبر. وسكتة
إذا فرغ من ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ) وأحمد رجح الرواية الأولى واستحب
السكتة الثانية; لأجل الفصل، ولم يستحب أحمد أن يسكت الإمام لقراءة المأموم، ولكن
بعض أصحابه استحب ذلك، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يسكت سكتة تتسع
لقراءة الفاتحة، لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقل هذا أحد
علم أنه لم يكن. والسكتة الثانية في حديث سمرة قد نفاها عمران بن حصين، وذلك أنها
سكتة يسيرة، قد لا ينضبط مثلها، وقد روي أنها بعد الفاتحة.
ومعلوم أنه لم يسكت إلا سكتتين، فعلم أن إحداهما طويلة والأخرى بكل حال لم تكن
طويلة متسعة لقراءة الفاتحة.
وأيضا فلو كان الصحابة كلهم يقرءون الفاتحة خلفه، إما في السكتة الأولى وإما في
الثانية لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فكيف ولم ينقل هذا أحد عن أحد
من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية خلفه يقرءون الفاتحة، مع أن ذلك لو كان
مشروعاً لكان الصحابة أحق الناس بعلمه، وعمله" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/292) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: ليس هناك دليل صريح صحيح يدل على شرعية سكوت الإمام حتى يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية..." انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/235).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله: " والسكتة الثانية: بعد قراءة الفاتحة أخرجها أبو داود وغيره من أهل السنن،
وقال الحافظ في الفتح إنها ثابتة، ولكنها سكتة ليست كما قاله بعض الفقهاء، إنها
طويلة بحيث يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة، بل هي سكتة يسيرة يتأمل الإمام فيها ما
سيقرأ بعد الفاتحة، وينتظر شروع المأموم في قراءتها.
والسكتة الثالثة: وهي سكتة لا تكاد تذكر بعد القراءة التي بعد سورة الفاتحة قبل
الركوع، لكنها سكتة يسيرة جداً ولهذا حذفت من بعض الأحاديث " انتهى من "مجموع
الفتاوى"(13/147) .
لكن لو كان الإمام يسكت بعد
قراءة الفاتحة حتى يمكن المأموم من قراءتها فهل يقال إن سكوته بدعة؟
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله رحمه الله:
ما حكم سكتة الإمام بعد الفاتحة, وقد سمعت أنها بدعة ؟
فأجاب: الثابت في الأحاديث سكتتان: إحداهما: بعد التكبيرة الأولى، وهذه تسمى سكتة
الاستفتاح، والثانية: عند آخر القراءة قبل أن يركع الإمام وهي سكتة لطيفة تفصل بين
القراءة والركوع.
وروي سكتة ثالثة بعد قراءة الفاتحة، ولكن الحديث فيها ضعيف، وليس عليها دليل واضح
فالأفضل تركها، أما تسميتها بدعة فلا وجه له؛ لأن الخلاف فيها مشهور بين أهل العلم،
ولمن استحبها شبهة فلا ينبغي التشديد فيها، ومن فعلها أخذاً بكلام بعض أهل العلم
لما ورد في بعض الأحاديث مما يدل على استحبابها، فلا حرج في ذلك.. " انتهى من
"مجموع الفتاوى"(11/84).
والحاصل:
لا يستحب للإمام أن يسكت بعد قراءة الفاتحة؛ لعدم ثبوت ما ورد والأصل في العبادات
المنع حتى يرد دليل الجواز، فإن سكت سكتة يسيرة ليرجع إليه نفسه أو ليتأمل ما سيقرأ
فلا بأس .
والله أعلم