الحمد لله.
ثانيًا : الهجر عقوبة مشروعة للزجر والتأديب ، لكن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرم أن يكون الهجر فوق ثلاث ليالٍ إن كان
الهجر لحظ النفس .
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ
ثَلَاثِ لَيَالٍ ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا
الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ) .
أخرجه البخاري (6077) ومسلم (2560) .
لكن ينبغي على المسلم مراعاة المصلحة الشرعية في تطبيق عقوبة الهجر؛ لأن المقصود
منها هو زجر المهجور وتأديبه ، فإن كانت المصلحة في هجره راجحة بحيث يؤدي إلى تقليل
الشر وزيادة الخير كان مشروعاً ، أما إن كان المهجور لا يرتدع بذلك بل يزيد الشر ،
أو كان الهاجر ضعيفًا لا يؤثر هجره بل ربما ترتب على الهجر مفسدة راجحة على مصلحته
لم يكن الهجر مشروعًا حينئذ ، فالتألف لبعض الناس قد يكون أنفع من الهجر ، والهجر
لبعض الناس قد يكون أنفع من التألف .
ولمزيد من التفصيل يمكنكم مراجعة السؤال رقم (21878)
ورقم (89601) .
ثالثًا : الأولى للزوجة ألا تهجر زوجها وألا تخاصمه ؛ لأن الهجر لا يؤتي ثماره غالباً إلا إن صدر من شخص له سلطة وولاية على المهجور ، مثل الحاكم مع أحد رعيته ، أو الوالد مع ولده ، أو الزوج مع زوجته ، والمرأة عادة ضعيفة مع زوجها وقد لا يؤثر هجرها له في زجره ، بل قد يؤدي ذلك إلى وقوع محاذير شرعية كتقصيرها في أداء حقوقه وعدم طاعته فيما لا يجوز عصيانه فيه ، وقد يؤدي إلى مزيد من الشقاق ، وتفاقم المشكلات بينهما .
لكن إن رأت الزوجة أن الهجر مصلحته أرجح ، وأنه سيفضي
إلى المقصود منه ، وأنه لن يترتب عليه محاذير شرعية فلا بأس أن تهجره حينئذ .
فإن كانت الأخت السائلة ترى أن خصامها لزوجها سيوقف سبه لها ، وسيكون مؤثرًا في
امتناعه عن التلفظ بما لا يليق في حقها ، وأنه لن يترتب عليه مفاسد أشد ، ولن يفضي
إلى محاذير شرعية ، أو مزيد من الشقاق ، فيجوز لها أن تهجره وتخاصمه ، ولها أن تزيد
في الهجر عن ثلاث ليالٍ ، إن كان الهجر لحق الله تعالى ، وزجرًا له عن الاعتداء على
غيره وعن معصية التلفظ بالفاحش من القول ، طالما حقق الهجر المقصود منه .
رابعًا : ما يقصد بالهجر هنا هو ترك الزوجة الكلام مع
زوجها وإعراضها عنه ، وعدم الرد عليه إن كلمها ، أو عدم تناول الطعام والشراب معه ،
وعدم مشاركته في الأمور الحياتية المعتادة ، لكن لا ينبغي أن يتعدى ذلك إلى منعه من
حقوقه الزوجية كالهجر في الفراش ، إلا إن ظلمها الزوج وهضم حقوقها ؛ لأن امتناع
المرأة من فراش زوجها من كبائر الذنوب التي جاء فيها الوعيد الشديد .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا
الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ) .
أخرجه البخاري (3237) ، ومسلم (1436) .
وفي لفظ لمسلم : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ
إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا
عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا ) .
لكن هذا في حق الزوج القائم بحق زوجته الذي يتقي الله
عز وجل فيها ، أما إن كان الزوج ظالمًا لزوجته معتديًا عليها ، غير قائم بحقوقها ،
فلها أن تقتص منه وتمنعه بعض حقوقه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " شرح رياض الصالحين " (5/164) تعليقًا على
الحديث السابق :
" وفي هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته ، ولكن هذا في حق الزوج القائم بحق
الزوجة ، أما إذا نشز ولم يقم بحقها ، فلها الحق أن تقتص منه ، وألا تعطيه حقه
كاملاً ؛ لقول الله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) البقرة/194، ولقوله تعالى ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ
فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) النحل/126 ، لكن إذا كان الزوج
مستقيمًا قائمًا بحقها فنشزت هي ، وضيعت حقه ، فهذا جزاؤها ، إذا دعاها إلى فراشه
فأبت أن تأتي .
والحاصل أن هذه الألفاظ التي وردت في هذا الحديث هي مطلقة ، لكنها مقيدة بكونه
قائمًا بحقها ، أما إذا لم يقم بحقها فلها أن تقتص منه ، وأن تمنعه من حقه مثل ما
منعها من حقها " انتهى.
خامسًا : الأولى لكلا الزوجين الصبر على أذى زوجه ،
والابتعاد عن الانتصار الشخصي والغضب للنفس ، بل يجعل غضبه لله سبحانه ، وأن يحرص
على استمرار الحياة الزوجية ، والحفاظ على بيت مسلم قائم على شرع الله وذكره ، فإن
وجد من زوجه الأذى ، فالذي ينبغي له : الصبر ورد الإساءة بالإحسان ، والسعى في
الإصلاح باللطف واللين والنصح بالمعروف .
قال الله تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصلت/34.
كما ينبغي النظر في أسباب المشكلات واتخاذ التدابير الشرعية اللازمة لعلاجها ،
والتذكر دومًا أن الحياة الزوجية قائمة على المحبة والود ، والمعاملة بالمعروف
والإحسان ، وأن سفينة الزواج لا تسير إلا بالتضحية والإيثار ، وأن يتنازل كل طرف
للآخر ، ومثوبة ذلك عند الله عظيمة ، وما عند الله خير وأبقى .
ولمزيد من التفصيل يمكنكم مراجعة السؤال رقم (2076)
.
والله أعلم .