ما هو حكم من يحلف بالله على ما لا يعرفه ، وهل هو حلال أم حرام؟ وهل يجوز إذا كان متأكدا ؟ فمثلا إذا قال له أحد : إن الشيخ فلان فعل كذا ، هو يرد : لا والله لم يفعل كذا ، مع أنه لا يعلم ما فعل الشيخ مثلا ، ولكن على يقين بأنه لم يفعل هذا ، أو مثلا يحلف على شيء في الغيب ، فما حكمه ؟
الحمد لله.
لا يخلو الحالف من أحوال :
- إما أن يكون عالما بصحة وصدق ما يحلف عليه فهذا بار في يمينه ولا شيء عليه .
- أو يكون عالما بأنه كاذب في يمينه فهذا آثم مرتكب لكبيرة من الكبائر .
- أو يحلف وهو يغلب على ظنه أنه كاذب فهذا حانث ، وإن بان الأمر على ما حلف عليه .
- أو يحلف وهو يغلب على ظنه أنه صادق فهذا لا شيء عليه ، وإن بان بخلاف ما حلف عليه ؛ لأنه إنما حلف على ظنه ، يظن أنه صادق في يمينه .
- أو يحلف جزافا على شيء لا يعلم عنه فهذا آثم ؛ لأنه يحلف على غيب بالنسبة له لا يعلمه
فمن قال مثلا : إن فلانا لم يفعل كذا ، لأنه على يقين أو ظن غالب أنه لم يفعله ؛ لما يعلمه عنه من دين أو خلق أو حال تمنعه من فعل ذلك ، فهذا إنما يحلف على ظنه الغالب عنده ، وهذا لا شيء عليه في يمينه .
قال العمراني الشافعي رحمه الله في "البيان" (10/ 553) :
" غلبة الظن أجريت في الأحكام مجرى اليقين " انتهى .
روى البخاري (2600) ومسلم (1111) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَكْتُ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ وَقَعْتُ بِأَهْلِي فِي رَمَضَانَ ، قَالَ تَجِدُ رَقَبَةً قَالَ لَا ، قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا ، قَالَ فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا ، قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِعَرَقٍ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ : اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ ، قَالَ : عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ "
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فيه جواز الحلف على غلبة الظن يؤخذ من قوله ( فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني ) لأن هذا الرجل لم يذهب إلى كل بيت يسألهم بلا شك ، لكن هذا غالب ظنه ؛ فحلف على غالب ظنه " انتهى من "شرح الكافي" (4 /90) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" قَالَ الْقَاضِي: لَوْ وَجَدَ فِي دَفْتَرِ أَبِيهِ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ دَيْنًا جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ قال ابن القيم : وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ " انتهى من "إعلام الموقعين" (4/ 129) .
وقال ابن عثيمين :
" وأما من حلف على شيء بناء على غلبة الظن فتبين أنه على خلاف ظنه فلا بأس في ذلك ، مثل أن يحلف أن هذا الشيء قد كان بناء على ظنه ثم يتبين أنه لم يكن فإنه ليس عليه في ذلك إثم ؛ لأنه إنما حلف على ظنه وهو في حال حلفه صادق فيما يغلب على ظنه ، ومثل ذلك لو قال : والله ليقدمن فلان غدا ، أي ليقدمن من السفر غدا بناء على ظنه ثم لا يقدم فإنه لا شيء عليه على القول الراجح ، أي لا إثم عليه ولا كفارة ؛ وذلك لأنه إنما حلف على ظنه " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (21/ 2) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان :
ما حكم من يحلف يمينا في حدوث شيء على أنه حدث ولكنه لا يعلم بحدوثه ؟ فقد حصل أن عملنا عملا يسيء إلى أحد الناس ، وسأل والدنا هل عملنا نحن ذلك العمل ، ولكن والدنا أنكر وحلف يمينا أننا أبرياء من ذلك مع أننا قد فعلنا ذلك ، ووالدنا لا يعلم فهل يجوز أن نكفر وهو لا يعلم أم نخبره وهو يكفر بنفسه أم ليس في ذلك إثم ؟
فأجاب :
" أولا : يجب على المسلم أن يحافظ على يمينه ولا يتسرع إلى اليمين إلا عند الحاجة ، وكان متأكدا مما يحلف عليه ، أما بالنسبة إذا حلف الإنسان على عمل أنه حصل أو لم يحصل ، بناء على غالب ظنه فيتبين خلاف ذلك ، فإنه لا إثم عليه ، لأنه حلف على غالب ظنه فلا إثم عليه ، ويكون هذا من اللغو في اليمين .
أما إذا حلف كاذبا متعمدا فإنه يأثم بذلك ، وليس عليه كفارة ، ولكن عليه الإثم ، ويستغفر الله ويتوب إليه ، والله يتوب على من تاب ، أما الكفارة فإنها لا تجب إلا في اليمين التي قصد عقدها على أمر مستقبل ممكن " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (96 /1-2) .
والله أعلم .