نعلم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن حق المسلم على المسلم، سؤالي هو: هل نأثم على عدم تأدية حق من هذه الحقوق لأخينا المسلم؟ يعني علينا ذنب في ذلك؟
نشكركم جزيل الشكر عن هذا العمل الطيب.
الحمد لله.
حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس.
قال الشوكاني رحمه الله:
" وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ) أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ وَيَكُونُ فِعْلُهُ إمَّا وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا نَدْبًا مُؤَكَّدًا شَبِيهًا بِالْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، فَإِنَّ الْحَقَّ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَكَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى الثَّابِتِ وَمَعْنَى اللَّازِمِ وَمَعْنَى الصِّدْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا الْحُرْمَةُ وَالصُّحْبَةُ." انتهى من "نيل الأوطار" (4/21).
حقوق المسلم على المسلم منها ما هو واجب عيني، يجب على كل أحد، فلو تركه أثم، ومنها ما هو واجب كفائي، إذا قام به البعض سقط إثمه عن الباقين، ومنها ما هو مستحب غير واجب، ولا يأثم المسلم بتركه.
قال الشيخ ابن عثيمين: " عيادة المريض فرض كفاية ". "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 /1085)
جاء في "الموسوعة الفقهية" (4/22): "وَهَذَا التَّشْمِيتُ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ وَاجِبٌ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ. وَنُقِلَ عَنِ الْبَيَانِ أَنَّ الأَشْهَرَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، لِحَدِيثِ " كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ " انتهى.
وأظهر الأقوال أنه واجب على من سمع حمد العاطس لله؛ لما رواه البخاري (6223) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ.
قال ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه: وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ فَإِذَا عَطَسَ أَحَدكُمْ، وَحَمِدَ اللَّه، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلّ مُسْلِم سَمِعَهُ أَنْ يَقُول: يَرْحَمك اللَّه . وَتَرْجَمَ التِّرْمِذِيّ عَلَى حَدِيث أَنَس ( بَاب مَا جَاءَ فِي إِيجَاب التَّشْمِيت بِحَمْدِ الْعَاطِس) وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِب عِنْده، وَهُوَ الصَّوَاب، لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَة الظَّاهِرَة فِي الْوُجُوب مِنْ غَيْر مُعَارِض وَاَللَّه أَعْلَم.
فَمِنْهَا: حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا: حَدِيثه الْآخَر خَمْس تَجِب لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا: حَدِيث سَالِم بْن عُبَيْد، وَفِيهِ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْده: يَرْحَمك اللَّه. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِم سِتّ بِالْمَعْرُوفِ: يُسَلِّم عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَيُجِيبهُ إِذَا دَعَاهُ، وَيُشَمِّتهُ إِذَا عَطَسَ وَيَعُودهُ إِذَا مَرِضَ وَيَتْبَع جَنَازَته إِذَا مَاتَ، وَيُحِبّ لَهُ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضهمْ فِي الْحَارِث الْأَعْوَر، وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، وَأَبِي أَيُّوب وَالْبَرَاء، وَأَبِي مَسْعُود. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي أَيُّوب. أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَإِذَا عَطَسَ أَحَدكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْد لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ: عَلَى كُلّ حَال، وَلْيَقُلْ الَّذِي يَرُدّ عَلَيْهِ يَرْحَمك اللَّه، وَلْيَقُلْ هُوَ: يَهْدِيكُمْ اللَّه وَيُصْلِح بَالكُمْ.
فَهَذِهِ أَرْبَع طُرُق مِنْ الدَّلَالَة. أَحَدها: التَّصْرِيح بِثُبُوتِ وُجُوب التَّشْمِيت بِلَفْظِهِ الصَّرِيح الَّذِي لَا يَحْتَمِل تَأْوِيلًا. الثَّانِي: إِيجَابه بِلَفْظِ الْحَقّ. الثَّالِث: إِيجَابه بِلَفْظَةِ " عَلَى " الظَّاهِرَة فِي الْوُجُوب. الرَّابِع: الْأَمْر بِهِ، وَلَا رَيْب فِي إِثْبَات وَاجِبَات كَثِيرَة بِدُونِ هَذِهِ الطُّرُق، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم" انتهى من "حاشية ابن القيم على سنن أبي داود" (13/259).
وقال أيضا: " فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَبْدُوءِ بِهِ: أَنَّ التَّشْمِيتَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَلَا يُجْزِئُ تَشْمِيتُ الْوَاحِدِ عَنْهُمْ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَارَهُ ابن أبي زيد، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيَّانِ، وَلَا دَافِعَ لَهُ." انتهى من "زاد المعاد" (2/437).
قال ابن مفلح رحمه الله:
" وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ وُجُوبُ النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِخْبَارِ.. " انتهى من "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/307).
وقال الملا علي القاري رحمه الله:
" (وإذا استنصحك) أي طلب منك النصيحة (فانصح له) وجوباً، وكذا يجب النصح وإن لم يستنصحه " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (5/213).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْحَقِّ هُنَا الْوُجُوب، خلافًا لقَوْل بن بَطَّالٍ الْمُرَادُ حَقُّ الْحُرْمَةِ وَالصُّحْبَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا وُجُوبُ الْكِفَايَةِ " انتهى من "فتح الباري" (3/113).
والله تعالى أعلم.