الحمد لله.
أولاً :
إذا كان الأب لا ينفق على ابنته ولا يعطيها ما يكفيها من الطعام والشراب واللباس
والتعليم ونحو ذلك بما يليق بمثلها ، فلها أن تأخذ من ماله دون إذنه ما يكفيها
بالمعروف .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (149347)
، (162369) .
وكل ما تأخذه من مال أبيها زائداً عن حاجتها ، فهو حرام عليها .
ثانياً :
من كان ماله مختلطاً بالحلال والحرام ، فلا حرج من التعامل معه ، والأكل من طعامه ،
وقبول هديته ، والاستفادة من ممتلكاته ، على الأرجح من أقوال أهل العلم .
ويقصد في نيته القسم المباح من ماله.
وقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود مع أن أموالهم فيها كثير من الحرام وأكل
من طعامهم .
قال البغوي : " فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهَنَ
دِرْعَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ بِشَعِيرٍ أَخَذَهُ لِقُوتِ أَهْلِهِ ، مَعَ أَنَّهُمْ
يُرْبُونَ فِي مُعَامَلاتِهِمْ ، وَيَسْتَحِلُّونَ أَثْمَانَ الْخُمُورِ.
قَالَ سَلْمَانُ: إِذَا كَانَ لَكَ صَدِيقٌ عَامِلٌ أَوْ تَاجِرٌ ، يُقَارِفُ
الرِّبَا ، فَدَعَاكَ إِلَى طَعَامٍ فَكُلْ ، أَوْ أَعْطَاكَ شَيْئًا فَاقْبَلْ ،
فَإِنَّ الْمَهْنَأَ لَكَ ، وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ.
وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ جَارٍ عَرِّيفٍ يُهْدِي إِلَيَّ، فَأَقْبَلُ؟ أَوْ
أَوْلَمَ فَدَعَانِي فَآكُلُ؟
قَالَ: نَعَمْ لَكَ مَهْنَؤُهَا ، وَعَلَيْهِ وِزْرُهَا.
وَمِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ ، قَالُوا :
إِذَا كَانَ الْمَالُ فِيهِ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ ، فَلا بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ
مِنْهُ ، إِلا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الَّذِي يُطْعِمُهُ أَوْ يُهْدِيهِ إِلَيْهِ
حَرَامٌ بِعَيْنِهِ ، فَلا يَحِلُّ ". انتهى من "شرح السنة" (8/14) .
وسئل الشيخ عبد الله أبا
بطين: عمن ضاف من أكثر مالهم حرام؟
فأجاب: " أما إذا ضاف شخصٌ ناساً أكثر مالهم حرام ، فإنه يجوز له أن يأكل من طعامهم
، ما لم يتحقق أنه من مالهم الحرام ، وعلى كل حال ، الأولى : التورع عن طعامهم ،
ومبايعتهم ، ومشاراتهم ". انتهى من "الدرر السنية " (7/472) .
وقال القَليوبي من الشافعية : " لَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ ، وَلَا الْمُعَامَلَةُ ، وَلَا أَخْذُ الصَّدَقَةِ ، وَالْهَدِيَّةِ ، مِمَّنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ ، إلَّا مِمَّا عُلِمَ حُرْمَتُهُ ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ ". انتهى من "حاشيتا قليوبي وعميرة" (4/263).
وقال الشيخ ابن باز : " واليهود أموالهم مخلوطة ، عندهم الربا ، وعندهم العقود الباطلة ، والنبي صلى الله عليه وسلم عاملهم ، اشترى منهم ، وأكل طعامهم ، وأباح الله لنا طعامهم وعندهم ما عندهم... فالذي ماله مخلوط لا بأس أن يعامل". انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز" (19/196).