الحمد لله.
أولاً:
لا شك أنه ثمة فروق كثيرة وكبيرة بين الرهن العقاري في البنوك الربوية وبين الرهن
العقاري الإسلامي ؛ فالأول قروض ربوية محضة لا خلاف بين العلماء ومجامع الفتوى في
تحريمها ، وأما الرهن العقاري الإسلامي ففيه من يجوِّزه من العلماء المعاصرين ، ومن
أبرز الفروق الواضحة بينهما هو الفائدة الربوية المركبة التي يدفعها المتأخر عن
السداد في الرهن الربوي ، فكل تأخير في سداد الأقساط يترتب عليه غرامات مالية هي
الربا بعينه ، وهذا أمر منتف من الصيغة الإسلامية للرهون أو القروض .
وانظر جوابي السؤالين (
177994 ) و (
159213 ) .
ثانياً:
يعتمد نظام الرهن العقاري الإسلامي على معاملتيْن هما " التأجير المنتهي بالتمليك "
و " المرابحة " ، وهما معاملتان اشتهر الخلاف في جوازهما بين العلماء المعاصرين .
1. أما " الإيجار المنتهي بالتمليك " وهو ما تسميه البنوك " إيجار واقتناء " - أي :
أن عقد الإجارة سينتهي بتملك المستأجر ما كان استأجره - فهذا العقد له صور محرمة
وأخرى جائزة ، سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (
97625 ) ، وانظر
جواب السؤال رقم (
14304 ) .
2. وأما حكم " المرابحة " فقد ذكرناه في جواب السؤال رقم (
36410 ) ، وفي هذا
الجواب المحال عليه تعلم حكم شراء البيوت عن طريقها وأنه لا يجوز إلا عند توفر
شرطين :
الأول : أن يمتلك البنك هذه السلعة قبل أن يبيعها فيشتري البنك البيت من صاحبه
لنفسه .
الثاني : أن يحوزه بوضع اليد عليه وإمكانية التصرف فيه .
وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة .
وانظر جواب السؤال رقم (
81967 ) .
وبه يتبين لك – أخي السائل –
أن ما تفعله البنوك الإسلامية أو الفروع الإسلامية في البنوك الربوية من إجراء
هاتين المعاملتين لا يدخل في إطار المسائل المتفق على جوازها ؛ لوجود من يمنع منهما
ويحرمهما جملة أو في بعض صورهما .
ثالثاً:
ليس المسلم ملزماً بشراء بيت حتى يلمَّ شتات نفسه وأسرته بل يستطيع فعل ذلك ببيت
الإيجار ! والمسلمون تجاه هذه المسألة منهم من يشتري بيته بالربا الصريح إما بأخذ
قرض ربوي ويشتري به بيتاً أو بالرهن العقاري الذي تجريه البنوك الربوية ، ومنهم من
يقصد البنوك الإسلامية لشراء بيته عن طريق الإيجار المنتهي بالتمليك أو المرابحة
اعتقاداً منهم بصحة المعاملتين وجوازهما ، وفريق ثالث لا يرى شرعيتهما وليس عنده
قدرة على شراء بيت فيصبر حتى يغنيه الله من فضله أو ييسر له طريقة شرعية مباحة ،
ويريد أن يلقى ربَّه تعالى وليس في صحيفته اقتراف لجريمة الربا ، ولا فعل لمعاملة
مختلف فيها وترجح عنده عدم جوازها ، وهذا المسلك لا شك أنه أحسن المسالك وبه يحتاط
المسلم لدينه ، ولسنا ننكر على من رأى صحة المعاملتين السابقتين اجتهاداً أو
تقليداً ، وإنما إنكارنا على من فعل ذلك وهو يعتقد تحريمهما ، والإنكار الأشد
والأعظم على من اقترف جريمة الربا الصريحة ، ومن احتج بجواز الربا في بلاد الكفار
لم يصب ، وتجد ردنا عليه في جواب السؤال رقم (
126056 ) .
ونسأل الله أن يرينا الحق حقّاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا
اجتنابه .
والله أعلم