لقد اعتنقت الإسلام منذ 3 سنوات والحمد لله ، وقد تزوجت منذ أقل من عام ، إنني من ماليزيا وأدرس الآن في الولايات المتحدة وقد تزوجت من أجنبي يعيش في ماليزيا ، وقبل اعتناق الإسلام وافقت على بعثة تعليمية ، ولا يمكنني الآن أن أترك البعثة حتى أكمل دراساتي ، لا يستطيع زوجي الذهاب للولايات المتحدة ؛ لأن تأشيرته رفضت ، في البداية ، كانت رحلتي للولايات المتحدة كهجرة ؛ لأن أبواي كانا معترضان على اعتناقي الإسلام وقد عذباني نفسيا بينما كنت أعيش معهما ، وبعد أن تزوجت أصبح لدي محرم ، وأعرف أنه ليس لي السفر دونه. ولكن أبواي لا يزالان غاضبين ويمكن أن يفعلا أي شيء لإعادتي لطريقتي القديمة ، كما أنه من الممكن أن يقتلوا كذلك ، ويدرس زوجي في ماليزيا غير أنهم لا يزالون لا يعرفونه ولذلك فإنه في أمان ، بالنسبة لي فإنهم لن يستطيعوا السفر إلى بسبب التكلفة المرتفعة وبذلك أكون في أمان أنا الأخرى ، إذا ما عدت الآن فسيكون علي مواجهتهم ، وسيكون من السهل عليهم الإمساك بي وبزوجي ، أمامي الآن فصل دراسي آخر لكي أتخرج وآمل مع الانتهاء من الدراسة أن يتقبلا الوضع . سؤالي هو: هل جميع هذه الأسباب تمكنني وتجيز لي السفر للدراسة دون زوجي ؟
الحمد لله.
نسأل الله أن يثبتك على دينه ، وأن يقيك الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يهدي والديك إلى الإسلام كما هداك .
نعم ، سفر المرأة بدون محرم لا يجوز ، وقد تقدمت أدلة ذلك مستوفاة في إجابة السؤال رقم (102494) ورقم (120291) .
ولكن إذا وجدت ضرورة ملحة لسفرها بدون محرم ، فإن الضرورات تبيح المحظورات .
ولا شك أن حفظ الدين أحد الضرورات الخمس ، بل هو أهمها وأعلاها وأسماها ، والذي تبذل لأجله المهج ، وتهون في سبيله كل تضحية .
وتحريم سفر المرأة بدون محرم تحريم وسائل ؛ لأنه يفضي إلى الفتنة والفساد ويؤدي إلى ذلك ، وما حرم للذريعة والوسيلة فإنه يباح للحاجة والضرورة والمصلحة الراجحة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْفِتْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ فَإِنَّ الذَّرِيعَةَ إلَى الْفَسَادِ يجب سَدُّهَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15 /419) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" وحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية والسفر بها والنظر إليها لغير حاجة حسما للمادة وسدا للذريعة " انتهى من "إغاثة اللهفان" (1 /362) . وينظر : "زاد المعاد" (4 /78) ، "إعلام الموقعين" (2 /159) .
فإذا احتاجت المرأة للسفر ، لحفظ دينها ، وخشيت على نفسها الفتنة إذا هي لم تسافر ، ولم يكن لها محرم يصحبها في سفرها ، جاز لها ذلك السفر ، دفعا للمفسدة الأعظم إذا هي لم تسافر .
وقد نص أهل العلم على جواز سفر المرأة سفر الضرورة بغير محرم ، وخاصة إذا كانت الضرورة حفظ دينها وخشية الفتنة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/ 230) :
" سَفَرُ الْأَسِيرَةُ إذَا تَخَلَّصَتْ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ سَفَرُ ضَرُورَةٍ ، لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ حَالَةُ الِاخْتِيَارِ ، وَلِذَلِكَ تَخْرُجُ فِيهِ وَحْدَهَا " انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَالَ الْبَغَوِيُّ : لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ السَّفَرُ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ إِلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ إِلَّا كَافِرَةً أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَسِيرَةً تَخَلَّصَتْ ، وَزَادَ غَيْرُهُ : أَوِ امْرَأَةً انْقَطَعَتْ مِنَ الرُّفْقَةِ فَوَجَدَهَا رَجُلٌ مَأْمُونٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْحَبَهَا حَتَّى يُبَلِّغَهَا الرُّفْقَةَ " انتهى من "فتح الباري" (4/ 76) .
وقال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْقَاضِي : وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُج فِي غَيْر الْحَجّ وَالْعُمْرَة إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم إِلَّا الْهِجْرَة مِنْ دَار الْحَرْب , فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تُهَاجِر مِنْهَا إِلَى دَار الْإِسْلَام وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَم , لأَنَّ إِقَامَتهَا فِي دَار الْكُفْر حَرَام إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ إِظْهَار الدِّين , وَتَخْشَى عَلَى دِينهَا وَنَفْسهَا " انتهى من "شرح النووي على مسلم" (9 /104) .
وبناء على ذلك ، فلا حرج عليك في سفرك ، أو بقائك لإتمام دراستك من غير محرم ، حتى ولو كانت إقامتك في بلاد الكفر ، ما دامت تلك البلاد أكثر أمنا عليك من بلدك ، ولا تخشين على نفسك من الفتنة في الدين فيها .
لكن مع ذلك كله ، يجب على زوجك أن يسعى للسفر إليك ، والإقامة معك ، حتى ولو كلفه ذلك مالا زائدا ، وإذا كان بإمكانك أنت أن تساعديه ببعض الأوراق النظامية ، أو المال لأجل ذلك ، فافعلي .
وينظر جواب السؤال رقم (85045) ، ورقم (122630) .
والله أعلم .