الحمد لله.
ثالثا :
حيث إنك رددت نصف الذي كنت أخذته من الشركة بغير حق فقد أحسنت صنعا ، فاجتهد في رد
النصف الثاني .
ولا يلزمك إخبار صاحب العمل بصورة الحال ، ولا بالذي كنت قد فعلته ، ولا بالذي قد
نويت فعله ، إذا خشيت أن يعقب ذلك شر أو فتنة ، أو كان يشق عليك إخباره ، وخشيت على
نفسك من معرّة ذلك ؛ فإن الله ستير يحب الستر ، وإنما الواجب رد الحقوق لأصحابها
على أي وجه كان ، مادام أنه جائز مباح ، ثم التوبة إلى الله تعالى وكثرة الاستغفار
.
راجع جواب السؤال رقم : (31234)
ورقم (43017) .
رابعا :
الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة ودعاء وذكر ونحو ذلك ، مع وجود نية التوبة
والسعي في رد الحقوق إلى أهلها مقبولة إن شاء الله ، بل هي من جملة التوبة المأمور
بها ، وليس من شرط قبول العمل الصالح ألا يكون لصاحبه ذنب أو كبيرة ، وليس وقوع
الكبيرة محبطا لما لصاحبها من الأعمال الصالحة ، إلا أن يكون ذلك في شيء خاص ورد به
النص .
وإنما الإشكال فيما له تعلق بذلك الذنب من الطاعات ؛
فمثل هذا العمل يتأثر بالذنب من حيث القبول ، وقد يردّ على صاحبه فلا يقبل .
وهذه المسألة تشبه مسألة التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره .
قال ابن القيم رحمه الله :
" هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره فيه قولان لأهل العلم ... والذي عندي
في هذه المسألة : أن التوبة لا تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من نوعه ، وأما
التوبة من ذنب مع مباشرة آخر لا تعلق له به ولا هو من نوعه فتصح ، كما إذا تاب من
الربا ولم يتب من شرب الخمر مثلا فإن توبته من الربا صحيحة ، وأما إذا تاب من ربا
الفضل ولم يتب من ربا النسيئة وأصر عليه أو بالعكس أو تاب من تناول الحشيشة وأصر
على شرب الخمر أو بالعكس : فهذا لا تصح توبته ، وهو كمن يتوب عن الزنا بامرأة وهو
مصر على الزنا بغيرها غير تائب منها ، أو تاب من شرب عصير العنب المسكر وهو مصر على
شرب غيره من الأشربة المسكرة ، فهذا في الحقيقة لم يتب من الذنب وإنما عدل عن نوع
منه إلى نوع آخر ، بخلاف من عدل عن معصية إلى معصية أخرى غيرها في الجنس " انتهى من
مدارج السالكين (1 /273-275) .
خامسا :
هذه الأشياء التي اشتريتها من هذا المال المسروق وتصدقك بها على الفقراء : فاعلم
أنه لا يصح تصدقك بهذا المال على الفقراء ، سواء تصدقت بعينه أو بما اشتريته به ؛
لأنه مال حرام يجب رده إلى أصحابه ، ولا يجوز التصدق به ؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا
طيبا .
وحيث إنه من نيتك رد الأموال كاملة إلى أصحابها فقد أحسنت صنعا ، فسارع بردها .
سادسا :
لا يشرع لك صلاة الاستخارة في رد هذه الأموال إلى أصحابها ، ولا حاجة بك إلى صلاتها
بخصوص طريقة الرد الممكنة ؛ لأن الرد مع الإمكان واجب ، ولا تشرع صلاة الاستخارة في
الأمر الواجب . قال ابن عثيمين رحمه الله : " الواجب لا يستخير فيه ؛ لأن الله قد
حكم به وأوجبه " انتهى من "اللقاء الشهري" (4 /135) ، وراجع جواب السؤال رقم : (11981)
.
لكن إن كنت مترددا بين طريقة للرد وطريقة أخرى ، ولا
تعلم أيها أرجى ، وأقرب للستر ، فربما يقال بالاستخارة لأجل التردد بين أمرين من
المشروع ، ولا تقدر على الترجيح بينهما .
والله تعالى أعلم .