الحمد لله.
ثانياً:
وكما أن في الإسلام أحكاماً يُقصد منها حماية المسلم في دينه – كمنع تزويج المسلمة
للكافر – فإن في أحكاما يقصد منها إظهار عزة الإسلام وعلوّه على غيره من الشرائع
السماوية المحرفة ، فضلا عن الشرائع الأرضية الباطلة ، ومن ذلك منع الكافر من دخول
بيت الله الحرام ، وهي من مسائل الخلاف عند العلماء ، وقد ذهب جمهور العلماء من
الشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى تحريم دخول الكفار حدود الحرم ، ولو لمصلحة.
وذهب الحنفية إلى حصر المنع في موسم الحج دون غيره ، وأجازوا الدخول بصلح أو إذن
لأهل الذمة خاصة دون غيرهم ، ووافق المالكيةُ الجمهورَ في المنع ، إلا أنهم أجازوا
دخول الكفار لحدود الحرم – دون المسجد الحرام - إذا كان لمصلحة .
قال النووي – رحمه الله - : " يُمنع كل كافر من دخوله ، مقيماً كان أو مارّاً ؛ هذا
مذهبنا ، ومذهب الجمهور " انتهى من " المجموع " ( 7 / 465 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 17 / 188 ، 189 ) : " واختلفوا في اجتياز الكافر الحرم
بصفة مؤقتة ، فذهب الشافعية والحنابلة وهو قول عند المالكية : إلى منع دخول الكفار
إلى الحرم مطلقا ؛ لعموم الآية ، فإن أراد كافر الدخول إلى الحرم : مُنع منه ، فإن
كانت معه ميرة أو تجارة خرج إليه من يشتري منه ولم يترك هو يدخل ، وإن كان رسولا
إلى إمام بالحرم خرج إليه من يسمع رسالته ويبلغها إياه ، فإن قال : لا بد لي من
لقاء الإمام وكانت المصلحة في ذلك : خرج إليه الإمام ، ولم يأذن له بالدخول ... .
وقال الحنفية : لا يمنع الذمي من دخول الحرم ، ولا يتوقف جواز دخوله على إذن مسلم
ولو كان المسجد الحرام " انتهى .
ومع اختلاف العلماء في دخول الكفار حدود الحرم فقد اتفقوا على تحريم سكنى الكفار
وإقامتهم في الحرم المكي ، فقد جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 17 / 188 ) : " اتفق
الفقهاء على أنه لا يجوز لغير المسلم السكنى والإقامة في الحرم لقوله تعالى : (
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ
عَامِهِمْ هَذَا ) والمراد بالمسجد الحرام : الحرم ؛ بدليل قوله سبحانه وتعالى بعده
( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) أي : إن
خفتم فقراً وضرراً بمنعهم من الحرم وانقطاع ما كان يحصل لكم بما يجلبونه إليكم من
المكاسب فسوف يغنيكم الله من فضله ، ومعلوم أن الجلب إنما يجلب إلى البلد والحرم ،
لا إلى المسجد نفسه " انتهى .
وكل بلاد العالَم لها شروطها تحتم تحقيقها على مَن يدخلها ، وما المانع من كون
الحرم المكي من هذه الأماكن ؟! والفرق بين الأمرين أن الشروط في الأول من وضع البشر
، وأما في شأن الحرم المكي ، فالشرط المذكور فيه تشريع إلهي ؛ فأطهر بقعة على وجه
الأرض ، وأعظمها حرمة عند المسلمين ، وقبلة المسلمين ، والبلد الحرام ، ومنبع هداية
الناس ... من المنطقي تماما أن يختص الشارع تلك البقعة بأحكام تظهر تميزها ومكانها
من القدسية والطهارة الشرعية ؛ فلا يدخله إلا طاهر من الشرك والإلحاد ، قال تعالى :
( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ
عَامِهِمْ هَذَا ) التوبة/ 28 .
والله أعلم