الحمد لله.
نود في البداية أن نهنئك على نور الهداية الذي حباك الله إياه ، وعلى قوة إرادتك
وحكمتك في اتخاذ القرار الصعب بالتحول إلى الإسلام ، وتحمل الكثير من المتاعب بسبب
ذلك ، وهذه صفات مميزة ، قد لا تتوفر في كثير من الأشخاص الذين يضعفون رغم قناعتهم
بالإسلام ، ولكن شأنه في قلوبهم ثانوي ، لا يعدو كونه تغيير أوراق شخصية أو عادات
يومية ، يقول الله عز وجل : ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا )
مريم/76.
ونحن – إذ نشكر لك سؤالك وحرصك على أحكام الشريعة الإسلامية – نود تنبيهك أيضا إلى
ضرورة تعلم الإسلام ، عقيدة وشريعة ، وضرورة العناية بأركان الدين وثوابته
العقائدية والتشريعية التي جاء التركيز عليها في نصوص الكتاب والسنة ، والانتباه
إلى الفرق بينها وبين مسائل الفروع الفقهية التي قد يقع فيها الاختلاف بين العلماء
، فلا تأخذها جميعها بميزان واحد ، بل لا بد من النظر في كل منها بما يناسبه ، وذلك
من حكمة الله سبحانه وتعالى في مراعاة الطبيعة البشرية المختلفة ، لذلك تجد لدى
جميع الأمم الأركان والثوابت التي يجتمعون عليها ، والمكملات والفوارق التي يختلفون
فيها .
نبين هذا لأن سؤالك – أخانا الكريم - من القضايا الاجتهادية التي قد تختلف فيها
أنظار الفقهاء والعلماء ، يتأملون لحلها في الأحاديث النبوية وفي الأدلة الشرعية ،
ثم يجتهدون في قياس محل الإشكال على تلك الأدلة ، فمنهم من يقتنع بحكم ، ومنهم من
يتوصل إلى آخر ، وهكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ
فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ
أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ) رواه البخاري (7352) ومسلم (1716) .
وقد سبق في موقعنا أن حكم التصوير الفوتوغرافي ، وتعليق تلك الصور على الجدران من
مسائل الخلاف بين الفقهاء المعاصرين ، ولكن المعتمد لدينا هو تحريم ذلك لغير حاجة
أو ضرورة ، اعتمادا على الأحاديث النبوية المطلقة في تحريم التصوير ، واحتياطا
للدين ، يمكنك مراجعة تلك الفتاوى في الأرقام الآتية : (7918)
، (95322) ، (101257)
، (10668) .
ويبقى السؤال إن كانت الصور
تمنع دخول الملائكة إلى جميع أجزاء المنزل الذي فيه صورة واحدة ، أم تمنع دخول
الملائكة الغرفة التي علقت فيها الصورة دون غيرها من غرف المنزل الخالية عن الصور .
الذي يبدو لنا أن وجود الصور المحرَّمة يمنع دخول ملائكة الرحمة المكان الذي توجه
فيه فقط ، أي الغرفة التي تشتمل عليها فحسب ، أما بقية غرف المنزل الخالية عن الصور
فلا يشملها هذا المنع ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ
البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ ) رواه البخاري
(5961) ومسلم (2104)
فقوله عليه الصلاة والسلام ( البيت ) يعني المكان أو الغرفة التي فيها الصور فحسب ،
فقد كان ( البيت ) يطلق على ما يسميه الناس اليوم " الغرفة "، بدليل قوله صلى الله
عليه وسلم – في الحديث الصحيح -: ( صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ
مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا ، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ
صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا ) رواه أبوداود في " السنن " (570) وصححه الألباني في "
صحيح أبي داود ".
يقول ابن حجر رحمه الله :
" المراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الشخص ، سواء كان بناء أو خيمة أم غير ذلك "
انتهى من " فتح الباري " (10/381) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" إذا كانت الصورة محرمة فالظاهر -والله أعلم- أنه إذا كانت في حجرة فإن ذلك لا
يشمل كل البيت ، لا سيما إذا كان أهل البيت قد كرهوا ذلك ؛ لأنه يوجد في بعض
العوائل يكون واحد منهم قد استهوته الشياطين وصار يقتني الصور ويضعها عنده أو
يعلقها على الجدار ، وأهل البيت يكرهون ذلك لكن لا يستطيعون منعه ، ففي هذه الحال
إن أهل البيت الذين يكرهون ذلك لا تمتنع الملائكة من دخول بيتهم .
وأما الحجرة التي فيها الصور فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة " انتهى من "
لقاء الباب المفتوح " (لقاء رقم/75، سؤال رقم/17) .
والله أعلم .