الحكمة من خلق البشر على ألوان مختلفة أبيض وأسود ونحوه
هل هناك إجابة من القرآن تشرح السر في أن خلق الله الناس بيضاً وسوداً ؟ منذ زمن طويل وأنا اسأل هذا السؤال فلم أجد له شرحاً مقنعاً .
الجواب
الحمد لله.
عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ
قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ ،
مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَصْفَرُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ
، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ ، وَالْخَبِيثُ وَالطِّيبُ ) .
أخرجه الترمذي (2955) وابن حبان: ( 6160 ) ، وصحّحه الألباني في" الصحيحة " (1630).
وفي هذا الحديث أن اختلاف ألوان الناس ، وأخلاقهم ، وهو من خلق الله وتقديره ،
مناسب للأصل الذي خرجوا منه ، والطينة التي منها خلقوا ؛ فتراب الأرض ، ومناحيها ،
ليس كله على لون واحد ؛ بل منه الأحمر والأبيض والأسود .. ، وهكذا جاءت ألوان الناس
وأشكالهم المختلفة : ما بين أحمر ، أو أسود ، أو أبيض .. ، وهكذا .
وفي طبائع الأرض اختلاف كذلك ؛ فمنها أرض وعرة ، عسيرة المسلك ، ومنها السهل الذي
وطئته الأقدام ، ومنها ما بين ذلك ؛ وهكذا كانت أخلاق الناس ؛ فمنهم الهين اللين ،
السهل الرفيق ؛ ومنها الصعب ، عسر الأخلاق ، ومنهم ما سوى ذلك .
ومن الناس الطيب المؤمن ، ومنهم الخبيث الكافر ؛ وهكذا حال الأرض التي منها خلقوا .
وهذا كله من دلائل قدرة الله جل جلاله ، وعظيم سلطانه ؛ وأن الخلق كلهم ، مؤمنهم
وكافره ، سهلهم وحزنهم ؛ لا يخرجون عن قبضة الله وقدرته وسلطانه ، بل الكل في ملكه
وملكوته ، مسخر بأمره وتقديره ؛ خلقهم على ما شاء من حكمة ، وجعل خلقهم ، واختلافهم
آية على قدرته ، ودليل على عظمته ، وأنه القادر الذي يخلق ما يشاء ويختار ، ما كان
لأحد من خلقه شيء من الخيرة في خلقه وأمره وسلطانه ؛ بل هو متفرد سبحانه بالخلق كله
: ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )
الأعراف/54 ، وقال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ
لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص/68 ،
وقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ
أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ )
الروم/22 .
قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، في " أضواء البيان " (6/ 173)
:
" وَقَوْلُهُ: وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ، قَدْ أَوْضَحَ
تَعَالَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ اخْتِلَافَ أَلْوَانِ الْآدَمِيِّينَ
وَاخْتِلَافَ أَلْوَانِ الْجِبَالِ ، وَالثِّمَارِ ، وَالدَّوَابِّ ،
وَالْأَنْعَامِ ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ
، وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ ، .. وَاخْتِلَافُ الْأَلْوَانِ
الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَرَائِبِ صُنْعِهِ تَعَالَى وَعَجَائِبِهِ ، وَمِنَ
الْبَرَاهِينَ الْقَاطِعَةِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ جَلَّ وَعَلَا ،
وَأَنَّ إِسْنَادَ التَّأْثِيرِ لِلطَّبِيعَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ
وَالضَّلَالِ "انتهى .
وعلى كل حال : فالواجب على المؤمن أن يسلم لله سبحانه تعالى حكمته البالغة في خلقه
وأمره ، فما تبين لنا منها ، حمدنا الله على ما بين لنا من مراده وحكمه ، وما زاد
المؤمن ذلك إلا إيمانا وتسليما ، وما خفي علينا أمره ، فوضناه إلى عالمه ، وآمنا به
: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ
أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ
تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران/7 .
والله أعلم