الحمد لله.
وقال السدي في قوله : ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا
لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) الزمر/ 11، 12
، قال : " يعني من أمته صلى الله عليه وسلم " .
"تفسير ابن كثير" (7 /89) .
وقال القرطبي رحمه الله :
" فإن قيل : أو ليس إبراهيم والنبيون قبله ؟ قلنا عنه أجوبة ... ومنها : أنه أول
المسلمين من أهل ملته ؛ قاله ابن العربي ، وهو قول قتادة وغيره " انتهى .
"الجامع لأحكام القرآن" (7 /155) ، وينظر : "تفسير الطبري" (21 /270) .
ويدل عليه قول سحرة فرعون بعد أن آمنوا : ( إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا
رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) الشعراء/ 51 ، ولم
يكونوا أسبق إلى الإيمان بطبيعة الحال من موسى وهارون عليهما السلام ، وإنما المعنى
أنهم أول المؤمنين عند ظهور الآية .
"تفسير القرطبي" (13/98) ، "فتح القدير" (4/144)
وقيل : الأولوية هنا للدلالة على المبادرة إلى الإيمان وعدم التقاعس عنه
والتواني ، فضلا عن الشك .
فالأولوية لإثبات تمام اليقين وقوة الإيمان .
قال ابن عاشور رحمه الله : " وقوله : ( وأنا أول المؤمنين ) : أطلق ( الأول ) على
المُبادر إلى الإيمان ، وإطلاق الأول على المبادر مجاز شائع مساو للحقيقة ،
والمرادُ به هنا وفي نظائره الكناية عن قوة إيمانه ، حتى إنه يبادر إليه حين تردد
غيره فيه ، فهو للمبالغة ، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : ( ولا تكونوا أولَ كافر
به ) ، وقوله : ( وأنا أول المسلمين ) انتهى من "التحرير والتنوير" (9 /94) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
" قوله: ( وأنا أول المسلمين ) ، يحتمل أن المراد الأولية الزمنية ، فيتعين أن تكون
أولية إضافية ويكون المراد أنا أول المسلمين من هذه الأمة ؛ لأنه سبقه في الزمن من
أسلموا .
ويحتمل أن المراد الأولية المعنوية ؛ فإن أعظم الناس إسلاما وأتمهم انقيادا هو
الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فتكون الأولية أولية مطلقة .
ومثل هذا التعبير يقع كثيرا أن تقع الأولية أولية معنوية ، مثل أن تقول: أنا أول من
يصدق بهذا الشيء ، وإن كان غيرك قد صدق قبلك ، لكن تريد أنك أسبق الناس تصديقا بذلك
، ولن يكون عندك إنكار أبدا ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( نحن أولى بالشك من
إبراهيم ) ، حينما قال : ( رب أرني كيف تحي الموتى ) البقرة/260 . رواه البخاري
(3372) ومسلم (151) . فليس معناه أن إبراهيم شاك ، لكن إن قدر أن يحصل شك فنحن أولى
بالشك منه ، وإلا فلسنا نحن شاكين ، وكذلك إبراهيم ليس شاكا " انتهى من "مجموع
فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (9 /210) .
فالحاصل أن هذه الأولوية إما أن تكون أولوية زمانية ؛ فتكون حينئذ أولوية نسبية
، يعني : بحسب الزمان المعين ، أو قوم معينين ، أو تكون أولوية معنوية ؛ لتفيد تمام
اليقين والإيمان ، وعدم حصول الشك .
أما أول المسلمين من البشر على الإطلاق فهو آدم عليه السلام ؛ لأنه أبوهم .
فتبين بما تقدم أن لا تناقض في آي القرآن الحكيم ، وحاشاه من ذلك ، وأن من يدعي التناقض فيه فإنما يؤتى من جهله ، وفساد عقله .
ملاحظة :
لم يرد في القرآن المجيد أن إبراهيم عليه السلام قال أنا أول المسلمين ، كما ورد في
سؤال السائل.
والله تعالى أعلم .