حكم دواء للربو يصنعه الهندوس ويذكرون عليه أسماء آلهتهم
يقول الله تعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) البقرة/173.
يوجد في الهند علاج عشبي نهائي لمرض الربو ، ويقدم هذا العلاج أشخاص من غير المسلمين (الهندوس) ، ويذكرون أسماء آلهتهم على هذا العلاج الذي يُعطى للناس على أنه دواء للربو . ويقول الله تعالى في الآية السابقة ، أنه لا يجوز تناول طعام : ( أو دواء كما في هذه الحالة ) ذُكر عليه اسم غير اسم الله إلا ما إضطر الإنسان إليه ، فليس عليه إثم .
يعتبر الربو مرض فظيع لا علاج له في الطب الحديث ، ولا يبقى أمامي سوى خيار واحد ، وهو أن أتناول ذلك الدواء العشبي الذى ذكرت آنفاً ، أو أن أعاني من هذا المرض طوال حياتي ، ويقول الله تعالى أنه لا إثم علينا فى حالة الاضطرار .
سؤالي هو :
هل تنطبق علي حالة الضرورة ، حيث إنه لا خيار أمامي فى الحصول على علاج نهائي للمرض سوى تناول هذا العلاج العشبي الذي لم يذكر عليه اسم الله ؟
الجواب
الحمد لله.
إذا كان الدواء عشبيا محضا ، ولم يدخل فيه شيء من الأجزاء الحيوانية التي ذبحت لغير
الله ، أو لم يشتمل على شيء من النجاسات والمحرمات كالخمر والخنزير ، فالذي نراه
أنه لا حرج عليكم في تناوله والاستشفاء به إذا ثبت نجاحه من جهة الطب ، ولو صنعه
رجال الدين الهندوسي وذكروا عليه أسماء آلهتهم ، وذلك للأسباب الآتية :
أولا :
أصل الإباحة الذي يلازم الأعشاب والنباتات النافعة ، فالله عز وجل قد أنبتها لمصلحة
الإنسان ونفعه ، وامتن بها على عباده ، فقال عز وجل : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ .
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ
كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
النحل/10-11، وذلك يقتضي بقاء أصل الإباحة حتى ينقل عنه دليل شرعي صحيح ، ولما لم
نجد ما يستوجب التحريم ، من اختلاط المواد النجسة أو المحرمة لم يبق حجة للمنع ،
واستصحاب الحال أو البراءة الأصلية معتبرة كما يقول الأصوليون .
ثانيا :
لم يرد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على أن التسميات الشركية على الطعام من
موجبات تحريمه ، ولما عدم الدليل بقي الأصل على الإباحة .
ثالثا :
أما قول الله عز وجل : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ
وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ
بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
البقرة/173، فالمقصود بما ( أهل به لغير الله ) الذبائح ، وليس جميع الأطعمة ،
فالذبيحة التي أريق دمها لغير الله عز وجل ، وذكر عندها اسم معبود دون الله سبحانه
، فهي التي ورد تحريمها في الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء .
رابعا :
حيوان البر لا يؤكل حيا ، بل ( ما قطع منه وهو حي فهو ميتة )، لذلك كان لا بد من
النية عند ذبحه ، فإذا كانت النية ، أو كان الإهلال – وهو رفع الصوت – بمعبود دون
الله سبحانه ، فقد وسمت الذبيحة بوسام الشرك أو البدعة ، وبقيت على حكم التحريم .
أما سائر الأطعمة من النباتات فهي على حالها ، مباحة في أصلها ومادتها ، لذلك لم
يكن لذكر اسم غير اسم الله عليها أي اعتبار ، ولم يؤثر في حلها أو حرمتها كونها
زرعت أو صنعت لوجه الله الحق ، أو لوجه غيره من أنواع الباطل ، ولهذا يجوز أكل طعام
المشركين ، فيما سوى الذبائح ، إلا ما كان فيه سبب محرم ، كما أسلفنا .
يقول الإمام القرطبي رحمه الله :
" أي ذكر عليه غير اسم الله تعالى ، وهي ذبيحة المجوسي والوثني والمعطل ، فالوثني
يذبح للوثن ، والمجوسي للنار ، والمعطل لا يعتقد شيئا فيذبح لنفسه ، وقال ابن عباس
وغيره : المراد ما ذبح للأنصاب والأوثان .
وجرت عادة العرب بالصياح باسم المقصود بالذبيحة ، وغلب ذلك في استعمالهم حتى عبر به
عن النية التي هي علة التحريم " انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (2/223) .
خامسا :
ثم إن آلهتهم باطلة زاهقة ، والزاهق لا حكم له ، ولا اعتبار به ، ولا تأثير له على
الحق الذي هو أصل الإباحة بإذن الله ؛ والحرام الذي يقع فيه المشركون ، لا
يُحَرِّمُ الحلال على أهله .
سادسا :
وقد وردت بعض الآثار والأقوال عن الأئمة والعلماء بجواز تناول أطعمة غير المسلمين
وغير أهل الكتاب مما لا يذبح ، ولم يفرقوا بين ما صنع في أعيادهم أو قرئت عليه
ترانيمهم وما لم يفعل فيه ذلك .
روى ابن أبي شيبة في " المصنف " (5/126) عن عائشة رضي الله عنها : " أن امرأة
سألتها ، قالت : إن لنا أَظْآرًا من المجوس ، وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا ،
فقالت : أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا ، ولكن كلوا من أشجارهم " .
وفي سنده ضعف بسبب قابوس بن أبي ظبيان ، ضعفه أبو حاتم وابن معين والنسائي ، كما في
" تهذيب التهذيب " (8/306).
وروى ابن أبي شيبة أيضا بسنده في " المصنف " (5/126) عن أبي برزة : " أنه كان له
سكان مجوس ، فكانوا يهدون له في النيروز ، والمهرجان ، فكان يقول لأهله : ما كان من
فاكهة فكلوه ، وما كان من غير ذلك فردوه " .
فهؤلاء وغيرهم أجازوا الأكل من طعام المجوس في أعيادهم ، وغالبا ما يكون لطعام
الأعياد خصوصية دينية في أكثر الأديان ، ومع ذلك كانت فتواهم بالجواز .
كما أجاز الفقهاء شرب دواء يصنعه غير المسلمين إذا خلا من الضرر أو النجاسة ، ولم
يشترط الفقهاء أن يتثبت المسلم من خلوه من تعاويذهم وشعوذاتهم .
يقول ابن مفلح رحمه الله :
" فصل في استطباب غير المسلمين ... يكره أن يستطب مسلم ذميا لغير ضرورة ، وأن يأخذ
منه دواء لم يبين مفرداته المباحة ، وكذا ما وصفه من الأدوية ، أو عمله ، ذكره في
الرعاية وغيرها" انتهى من " الآداب الشرعية " (2/441( .
وهذا يقتضي أنه إذا بينت المفردات ، أو علم كونها مباحة ، واحتاج المريض للدواء ،
فلا كراهة في ذلك .
والخلاصة : أن كل ما يطلب منك في شأن التسمية التي ذكرتها : أن تتجنبها أنت ، وتسمي
الله تعالى على طعامك وشرابك ، ودوائك أيضا ، وإذا كانت العلبة قد كتب عليها اسم
شيء من هذه الآلهة الباطلة ، فاطمس أنت هذه التسمية ، أو انزع العلبة ، إن كان
الدواء لا يحتاج إليها في الحفظ ؛ ثم لا حرج عليك بعد ذلك في تناول الدواء الذي
ذكرت في السؤال ، ولكن بشروط ثلاثة مهمة :
الشرط الأول : أن تتثبت من خلوه من المحرمات أو النجاسات .
الشرط الثاني : أن تتأكد أيضا من نجاحه ونفعه ، ولا تغتر بالإشاعات والأحاديث
المرسلة من غير أدلة ظاهرة على تأثيره الإيجابي ، وإلا فهذا الباب ذريعة للاحتيال
وأكل أموال الناس بالباطل ، أو ذريعة للإضرار بالناس وإلحاق الأذى بهم وجعلهم مكانا
للتجربة .
الشرط الثالث : أن تحتاج إلى الدواء لعلاج مرض أو تخفيف ضرره .
والله أعلم .