الحمد لله.
ثانيا :
يشترط في عطيته لأولاده أن يعدل بينهم ، فلا يجوز تفضيل بعضهم على بعض ، سواء كانوا
ذكوراً أو إناثاً ؛ لما روى البخاري (2587 ) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ
بَشِيرٍ قَالَ : " تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ ، فَقَالَتْ أُمِّي
عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ ؟ )
، قَالَ : لَا ، قَالَ : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ )
فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ " .
ولمسلم (1623) : ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
يَا بَشِيرُ ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ ) ، قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : (
أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ ) قَالَ : لَا ، قَالَ : ( فَلَا
تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ) .
قال ابن قدامة رحمه الله : " يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية , إذا لم يُخْتَصَّ أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خَصَّ بعضَهم بعطيته , أو فاضل بينهم فيها : أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين ; إما رد ما فَضَّل به البعض , وإما إتمام نصيب الآخر ، قال طاوس : لا يجوز ذلك , ولا رغيف محترق ، وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد , وعروة " انتهى من "المغني" (5/ 387) .
وإذا كان الأولاد ذكورا وإناثا ، فإن العدل بينهم أن يعطي الذكر مثل حظ الانثيين
؛ لأنها القسمة التي ارتضاها الله لعباده في الميراث ، وهذا مذهب الحنابلة .
وبناء على ما سبق :
فما قام به جدك عمل غير موافق للشرع ، والواجب على والدك وكل من قَبِل العطية من
أعمامك النصح لوالدهم ، وذلك ببيان الحكم الشرعي بالتي هي أحسن ، فلعله يكون جاهلاً
حكم ما أقدم عليه ، فيرجع إلى الحق ويقطع تماديه في الظلم .
فإن رجع في عطيته أو سوى بين أولاده ، فهذا هو المطلوب .
وإن أبى : لزم والدك وإخوته الذكور ردَّ العطية لوالدهم ؛ لأنها عطية محرمة لا تملك
بالتمليك ؛ لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه السابق ، وفيه " قوله - صلى الله
عليه وسلم - : ( أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ) ، قَالَ : لَا ، قَالَ
: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) ، قَالَ : فَرَجَعَ
فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ " رواه البخاري (2587) ولمسلم (1623) " فَرَدَّ تِلْك
الصَّدَقَة " .
قال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله ـ عند شرحه لحديث النعمان بن بشير رضي الله
عنه :
" الأحكام التي تقع على خلاف الشرع تبطل ، ولا تنفذ ، ولا يعتبر عقدها الصوري ؛
لأنه على خلاف المقتضى الشرعي " انتهى من "تيسير العلام" شرح عمدة الأحكام (2/26) .
فإن توفي جدك قبل الرجوع في عطيته : وجب على والدك وإخوته الذكور ردَّ العطية
للتركة ، ثم تقَّسم بين جميع الورثة وفق شريعة الله ؛ لما تقدم من أدلة السنة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لو فرض أنه لم يفعل ثم مات أعني الأب قبل أن
يسوى بين الأولاد فهل يطيب لهذا الْمُفَضَّلْ ؟
فالجواب : لا تطيب له ، ويجب عليه أن يردها في التركة ، وأن يرثها الورثة أجمعون "
.
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " .
فإن أبوا ، أو أبى بعضهم : فالواجب على الباقين : أن يردوا ما زاد عن نصيبهم الشرعي في الميراث ، ويقسموه على الأخوات اللاتي منعن من حقهن ، وأما ما تبقى من حقهن ، فإنما إثمه ووباله على من أكله بالباطل ؛ لأن هذا هو العدل المستطاع لهم ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
والله أعلم .