هل رفع الله السماء بغير عَمَد أم هناك عَمَد تحملها ؟
لسؤال:
هل للسماء عمد ؟ والدليل ؟
لماذا قال الله تعالى ( خلق السماوات بغير عمد ترونها ... ) لماذا ( ترونها ) ؟!
الجواب
الحمد لله.
قال الله تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ
تَرَوْنَهَا ) الرعد/:2 ، وقال تعالى: ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ
تَرَوْنَهَا ) لقمان/ 10.
قال ابن كثير - رحمه الله - : " قَوْلُهُ : بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا رُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ : أَنَّهُمْ :
قَالُوا : لَهَا عَمَد وَلَكِنْ لَا تُرَى ، وَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ :
السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْقُبَّةِ ، يَعْنِي بِلَا عَمَدٍ ، وَكَذَا
رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ ، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِالسِّيَاقِ ، وَالظَّاهِرُ مِنْ
قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا
بِإِذْنِهِ ) الْحَجِّ/ 65 ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ : تَرَوْنَهَا
تَأْكِيدًا لِنَفْي ذَلِكَ ، أَيْ: هِيَ مَرْفُوعَةٌ بِغَيْرِ عَمْدٍ كَمَا
تَرَوْنَهَا ، هَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ فِي الْقُدْرَةِ " انتهى. "تفسير ابن كثير"
(4/429).
وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
" قوله تعالى: ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن السماء
مرفوعة على عمد، ولكننا لا نراها، ونظير هذه الآية قوله أيضاً في أول "سورة لقمان":
( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ
رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) لقمان /10 .
واختلف العلماء في قوله: ( تَرَوْنَهَا ) على قولين :
أحدهما : أن لها عمداً ولكننا لا نراها ، كما يشير إليه ظاهر الآية ، وممن روى عنه
هذا القول ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد، كما قاله ابن كثير.
وروي عن قتادة أيضاً : أن المعنى أنها مرفوعة بلا عمد أصلاً ، وهو قول إياس بن
معاوية ، وهذا القول يدل عليه تصريحه تعالى في "سورة الحج"، أنه هو الذي يمسكها أن
تقع على الأرض في قوله: ( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ
إِلَّا بِإِذْنِهِ ) الحج/65 .
قال ابن كثير: فعلى هذا يكون قوله: ( تَرَوْنَهَا ) تأكيداً لنفي ذلك ، أي هي
مرفوعة بغير عمد كما ترونها كذلك ، وهذا هو الأكمل في القدرة اهـ.
قال مقيده عفا الله عنه : الظاهر أن هذا القول من قبيل السالبة [ أي: القضية
السالبة في علوم المنطق ] ؛لا تقتضي وجود الموضوع ، والمراد : أن المقصود نفى اتصاف
المحكوم عليه بالمحكوم به ، وذلك صادق بصورتين :
الأولى: أن يكون المحكوم عليه موجوداً ، ولكن المحكوم به منتف عنه، كقولك ليس
الإنسان بحجر، فالإنسان موجود والحجرية منتفية عنه.
الثانية: أن يكون المحكوم عليه غير موجود ، فيعلم منه انتفاء الحكم عليه بذلك الأمر
الوجودي، وهذا النوع من أساليب اللغة العربية ، كما أوضحناه في كتابنا "دفع إيهام
الاضطراب عن آيات الكتاب"، ومثاله في اللغة قول امرىء القيس:
عَلى لاحِبٍ لا يَهتَدي بِمَنارِهِ إِذا سافَهُ العَودُ النُباطِيُّ جَرجَرا
أي: لا منار له أصلاً حتى يهتدي به .
وقوله:
لا تُفزِعُ الأَرنَبَ أَهوالُها وَلا تَرى الضَبَّ بِها يَنجَحِر
يعني: لا أرانب فيها ولا ضباب .
وعلى هذا فقوله ( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ) : أي لا عمد لها حتى تروها . " .
انتهى من "أضواء البيان" (3/67) .
وقال الشيخ السعدي- رحمه الله - : " أي: ليس لها عمد من تحتها ، فإنه لو كان لها
عمد، لرأيتموها " انتهى من "تيسير الكريم الرحمن" ( ص :412).
وقال الشيخ ابن عاشور رحمه الله :
" وَجُمْلَةُ تَرَوْنَها فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ السَّماواتِ ، أَيْ لَا
شُبْهَةَ فِي كَوْنِهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ " انتهى من "التحرير والتنوير" (13/80) .
والحاصل :
أن أهل العلم اختلفوا في توجيه الآية على قولين :
الأول : أن لها عمدا ، لكن لا يراها الناس ، وهذا من آيات العظمة ، ودلائل القدرة :
أن يكون لهذا الخلق العظيم ، عمدا ترفعه ، ثم لا يراها الناس .
والقول الثاني : أنها لا عمد لها أصلا ؛ فلو كان لها عمد لرآها الناس ، وإنما رفعها
، وأمسكها عن السقوط بقدرته جل جلاله .
والتعبير بما جاء في الآية جار على سنن العربية ، ومقاصدها البلاغية ، وهو معروف له
نظائر في لغة العرب .
وهذا هو أظهر القولين في الآية ، إن شاء الله .
والله أعلم .