أعطى ولده مالا ليؤسس عملاً يعيش منه ، فهل يدخل هذا المال في التركة بعد وفاة الأب ؟
مات أبي رحمه الله ونحن الورثة : ابن وبنتان وزوجة ، قبل 15عاما أعطى والدي لأخي مبلغا من المال لكي يؤسس لنفسه عملا يعيش منه ، وقد تحقق ذلك والحمد لله
فهل يدخل ذلك المبلغ في التركة ؟ ، وماذا عن الأرباح ؟
وقد قال تعالى : ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) ، ماذا تعني هذه الآية الكريمة ؟
وقد علمت من أخي بأنه لن يصرف علينا بعد تقسيم التركة ، فهل يحق له ذلك ؟
كما ترك لنا والدنا منزلا مكونا من خمسة طوابق ، تحتوي على خمس عشرة شقة ، وشقة رئيسية غير مؤجرة ، نقيم فيها في حال سافرنا لليمن للزيارة ، وكنا نعاني كثيرا في حياة أبي بسبب زيارة بعض الأقارب السيئين لنا ، ولكنا كنا نتحملهم من أجل والدنا ، والآن بعد وفاة أبي رحمه الله أخي يريد أن يخرج أحد المستأجرين من أحد الشقق ليسكن فيها هو وأسرته ، فهل يحق له ذلك ؟
علما بأنه أراد أن يسكن أسرته في الشقة الرئيسية ، ولكني رفضت ؛ لأني كثيرا ما أسافر لليمن وأكثر من عشت فيها ، ولأن أقارب زوجة أخي في اليمن أيضا ، وسوف يقومون بالكثير من الزيارات لها ، وأنا لا أطيق رؤيتهم لكثرة مشاكلهم ، وفساد أخلاق بعضهم ، فما رأيكم ؟
أرجو أن تشيروا علينا ببعض الحلول ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
وفاة الإنسان تعني انتقال تركته إلى ملك ورثته ، كل بحسب نصيبه الذي قسمه الله
تعالى له ، ولا يحتسب من التركة ما دفعه الوالد في حياته لأحد أبنائه ، إذا كان له
سبب أو موجب يقتضي تخصيص بالعطاء عن باقي إخوته ، كمثل مساعدة الابن على تأسيس عمل
يتعيش منه ، إذا لم يكن له مهنة تكفيه ، أو كسب خاص به يليق بمثله ، أو احتاج إلى
علاج ، أو تعليم ، ونحو ذلك من الحاجات ؛ فقد اتفق الفقهاء في مثل هذه الأحوال على
جواز تخصيص الولد المحتاج بالعطية ، ولا يجب على الوالد أن يعطي إخوته غير
المحتاجين كما أعطى المحتاج ، وإنما يجب عليه أن يعطي المحتاج منهم ، لأجل حاجته ،
أو يواسيه ، كما واسى الأول .
ولا يجب على من أخذ من الأبناء شيئا من ذلك لحاجته ، أن يرجع فيتقاسم تلك الأموال
مع إخوانه ، ومن باب أولى أرباح تلك الأموال ؛ لأن هذه الأرباح متولدة من رأس المال
، الذي قبضه على صورة مشروعة ، ومن جهده الخاص به هو .
يقول ابن قدامة رحمه الله :
" إن خص [الوالدُ] بعضَهم لمعنى يقتضي تخصيصه ، مثل اختصاصه بحاجة ، أو زمانة ، أو
عمى ، أو كثرة عائلة ، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل ، أو صرف عطيته عن بعض
ولده لفسقه ، أو بدعته ، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله ، أو ينفقه فيها
، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك... لحديث أبي بكر رضي الله عنه ، ولأن بعضهم
اختص بمعنى يقتضي العطية ، فجاز أن يختص بها ، كما لو اختص بالقرابة " .
انتهى من " المغني " (6/53) .
أما حديث أبي بكر رضي الله عنه فحاصله أنه قد نحل ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله
عنها ( جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية ) دون بقية إخوانها . رواه مالك في "
الموطأ " (رقم/806) وغيره بسند غاية في الصحة ، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة .
ثانيا :
في سؤالكم هذا تأخذ الزوجة الثمن ، والباقي يقسم بين الابن والبنتين على قاعدة :
للذكر مثل حظ الأنثيين ، فيكون حاصل المسألة أن تقسم التركة – سواء كانت مالا
منقولا أم عقارا - إلى اثنين وثلاثين سهما ، تأخذ الزوجة أربعة أسهم ، وحصة الابن
أربعة عشر سهما ، وحصة كل بنت سبعة أسهم فقط ، قال تعالى : ( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ
وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ) النساء/12. وقال عز وجل : (
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ )
النساء/11، يقول العلامة السعدي رحمه الله : " أي : الأولاد للصلب ، والأولاد للابن
، للذكر مثل حظ الأنثيين ، إن لم يكن معهم صاحب فرض ، أو ما أبقت الفروض يقتسمونه
كذلك ، وقد أجمع العلماء على ذلك، وأنه -مع وجود أولاد الصلب- فالميراث لهم " انتهى
من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/166) .
وهذا التقسيم يلحق جميع التركة ، سواء الشقة التي كانت مخصصة للعائلة ، أم غيرها من
الشقق والأموال المؤجرة ، وذلك يعني أنه ليس من حق أحد من الورثة الاستئثار بالتصرف
في أي شقة ، بل هي شراكة بين الجميع ، كل بحسب حصته .
وأنتم الآن بالخيار : إما أن تقتسموا هذه الأملاك ، على الصفة السابقة ، وتقدر كل
شقة بقيمتها ، من حيث قيمة الشقة ، وإيجارها ونحو ذلك مما يعرفه أهل الخبرة ، ويأخذ
كل نصيبه .
أو تبقى العمارة شركة بينكم ، كما هو الحال عليه الآن ؛ وحينئذ : فإذا أراد الابن
العيش في إحداها فإما أن يدفع أجرتها لشركائه فيها من بقية الورثة بحسب حصصهم منها
، أو يسامحوه في تلك الأجرة عن طيب نفس ورضا . ولا ينبغي لأحد الورثة أن يرفض
تأجيرها مطلقا فيعطل على بقية الورثة الانتفاع بها ، إلا أن تصطلحوا جميعا على ذلك
.
وإذا لم يمكن أن تحلوا الأمر بينكم ، بصفة ودية كما ننصح به ، فوسطوا بينكم العقلاء
الأمناء من أهل الدين والعقل ، وسداد الرأي ، فإن بقي بينكم أمر لم تقدروا على حله
: أمكن اللجوء إلى القضاء لفض النزاع .
وفي جميع الأحوال فإن الحوار والتفاهم وتوسيط أهل الخير هو السبيل الوحيد لتجاوز
الخلاف ، والوصول إلى حل يرضى به الجميع ، مع الالتزام بالحكم الشرعي .
ثالثا :
لا يجب على الأخ أن ينفق على أخته إذا كانت تملك كفايتها من المال ، فإن لم تكن
كذلك ، ولم تكن متزوجة ، وليس لها ابن أو أب أحياء : وجب على أخيها أن ينفق عليها ،
وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم : (106540) .
والله أعلم .