الحمد لله.
وأما إذا جاوز الميقات ولم يكن قد نوى نسكا ، حجا أو عمرة ، أو كان مترددا ، لم يجزم نيته بعد ، ثم عزم على الاعتمار بعد تجاوزه للميقات ، أحرم من مكانه الذي عزم فيه على العمرة ، إلا أن يكون في مكة ، فيخرج إلى الحل ، ثم يحرم منه بالعمرة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه
الله ـ في شرح حديث ابن عباس السابق :
" يؤخذ منه أن من سافر غير قاصد للنسك ، فجاوز الميقات ، ثم بدا له بعد ذلك النسكُ
: أنه يحرم من حيث تجدد له القصد ، ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات ؛ لقوله : (
فمن حيث أنشأ ) " انتهى من "فتح الباري".
وقال الشيخ محمد المختار
الشنقيطي حفظه الله :
الحالة الثانية : أن يذهب إلى جدة متردداً، يقول: لا أدري هل يسعني الوقت أو لا
يسعني ، فمثل هذا يجوز له ألا يحرم من ميقات المدينة .
مثلاً : شخص عنده معاملة في جدة ، ولا يدري هل يسعه الوقت فيعتمر أو لا يسعه؟ فمن
يشك في الوقت يجوز له أن يذهب إلى جدة وهو غير محرم ويقضي حاجته في جدة ، ثم يحرم
من جدة إذا أنشأ العمرة منها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فمن كان دون
ذلك ؛ فإحرامه من حيث أنشأ ) .
فهذا الذي لم تتمحض نيته بالعمرة من المدينة ، وأصبح شاكاً متردداً : يعطى حكم
الأصل من أنه لا يلزمه الإحرام حتى يتحقق من كونه معتمراً " انتهى من " شرح زاد
المستقنع" .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن
عبد الله بن آل الشيخ حفظه الله :
أنا وزملائي ننتدب إلى جدة لأعمال الحج لمدة شهرين ، وبعضنا يضع إحرامه في سيارته
أو في شنطة ملابسه ، فإذا وجدنا وقت فراغ نوينا العمرة وأحرمنا من جدة ، فهل هذا
يجوز ، أم لا بد من الذهاب إلى ميقات السيل للإحرام منه؟
فأجاب: " إذا كانت نية العمرة سابقة للسفر ومنذ أنشأتم السفر إلى جدة والعمرة في
نيتكم ، فالذي يجب عليكم أن تحرموا من الميقات ؛ لأن نية العمرة سابقة ، أما إذا
كانت نية العمرة لم تطرأ إلا بعد استقراركم في جدة فأحرموا من جدة .
أما إذا كانت النية عندك غير جازمة ، بمعنى أنك متردد ، فإن هذا التردد يعني أنك لم
تعقد العزم على العمرة ، وعليه فإن لك إن جزمت وأنت دون المواقيت ، أن تحرم من حيث
أنشأت النية . والله أعلم " انتهى من "مجلة البحوث الإسلامية" (60/95) .
ثانيا :
من جاوز الميقات وفي نيته الحج أو العمرة ، ثم لم يُحرم من الميقات لزمه الرجوع إلى
الميقات الذي جاوزه ويحرم منه ، فإن لم يرجع لزمه دم عن كل مرة جاوزها.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن شخص عليه دم لإحرامه من جدة بعد أن جاوز الميقات ،
وقد وقع في هذا الخطأ عدة مرات ، ماذا يفعل ؟ هل يذبح ذبيحة واحدة وتكفي أم الجواب
خلاف ذلك؟
فأجاب: " عليه عن كل مرة ذبيحة تذبح في مكة للفقراء ، إذا كان قد جاوز الميقات وهو
ناو الحج أو العمرة ثم أحرم من جدة ، ويجزئ عن ذلك سبع بدنة أو سبع بقرة ، مع
التوبة إلى الله سبحانه من ذلك ؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يجاوز الميقات وهو ناو
الحج أو العمرة إلا بإحرام ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت:
( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ) ، ولقول ابن عباس
رضي الله تعالى عنهما: ( من ترك نسكاً أو نسيه فليهرق دماً ) " انتهى من " مجموع
الفتاوى " (17/12) .
وعليه أن يجتهد في تذكر المرات التي لزمه فيها ، حتى يغلب على ظنه براءة ذمته مما
عليه .
ثالثا :
إذا رأت المرأة الطهر الذي تعتاده من حيضها ، إما بالجفاف التام ، أو بالقصة
البيضاء ، حسبما تعودته من طهرها ، فتطهرت ، وطافت وسعت ، أو صلت وصامت ، ثم شكت
بعد ذلك في طهرها الذي بنت عليه هذه العبادات : لم تلتفت إلى الشك ، ولم يلزمها شيء
؛ لأن الشك بعد الفراغ من العبادة لا أثر له ، ما دامت قد دخلت وهي على بينة من
أمرها ، كما تعتاد من طهرها .
أما إذا تعجلت ، ولم تعلم
طهرها قبل أن تدخل في العمرة ، ولم تفعل كما تفعل كل مرة بعد حيضها ، ثم شكت بعد
ذلك في طهرها ، كما في السؤال ، فإن عمرتها لم تتم ، لأن الأصل بقاء حيضتها ، وهي
لم تعلم طهارتها منها ، وعليها أن تجتنب جميع محظورات الإحرام ، ومن أهمها الجماع ؛
لأنها لا زالت على إحرامها ، حتى تعود إلى مكة ، فتطوف وتسعى وتقصر من شعرها ، ثم
تتحلل من إحرامها .
وما وقعت فيه من محظورات الإحرام قبل ذلك ، فإنها تعذر فيه لظنها أن عمرتها قد
انتهت .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو
أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها ؛ لأنها جاهلة ، وكل إنسان يفعل محظوراً من
محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/351) باختصار.
والله أعلم