الخلاف في تجسيم الكعبة لتعليم الصغار المناسك
ستقيم المدرسة التي يدرس فيها أطفالي حفلا للاحتفال بموسم الحج يوم الجمعة ، وقد طلبوا مني في المدرسة أن أكسو أولادي ثيابا بيضاء ، كي يعلموهم كيفية أداء مناسك الحج والطواف حول الكعبة ، ولكنها ستكون كعبة مصطنعة للتعليم فقط ، فهل هذا جائز ؟، وهل ينبغي أن أرسل أولادي للمدرسة في هذا اليوم ؟
الجواب
الحمد لله.
صنع مجسمات للكعبة المشرفة ، سواء لغرض التعليم أو الزينة ونحوها ، ومباشرة المشي
حولها على هيئة الطواف لغرض تعليم الصغار وتحبيب مناسك الحج إليهم ، أو لتفقيه
الكبار أيضا ، كلها من المسائل التي ثار الحوار حولها في السنوات الأخيرة ، بسبب
انتشارها في بعض البلاد الإسلامية ، وخاصة في المدارس الشرعية وبعض وزارات الأوقاف
والحج ، وكان لبعض الباحثين والمشرفين على تلك الجهات آراء خاصة في المسألة ، بنوا
على أساسها جواز هذه الممارسات ، ووافقهم عليها الكثيرون من الباحثين .
غير أن الذي صرح به غير واحد من علمائنا المعاصرين ، وصدرت به فتاوى المجامع
الفقهية والمؤسسات الإفتائية ، هو منع هذا الباب وسده ، ورفض ممارسته للصغار
والكبار ، وذلك لسببين مهمين :
السبب الأول : قاعدة سد الذريعة التي قامت عليها عشرات الأدلة من نصوص الكتاب
والسنة ، والذريعة هنا هي " تصنيع المجسم والطواف حوله "، خشية أن ينسب الناس إلى
هذا العمل شيئا من القداسة أو التعظيم ، فتختلط العبادة بالتعليم ، ويشتبه على عامة
الناس علاقة مناسك الحج الحقيقية ، وحرمةُ بيت الله الحرام ، بمثل هذه المجسمات
التي تُبنى أحيانا بمثل حجم الكعبة الحقيقية ، وتقلد حولها جميع المظاهر المشابهة .
السبب الثاني : ملحظ قد تؤدي إليه كثرة تلك المجسمات ، وهو إنزال هيبة الكعبة
المشرفة من قلوب الناس عن مقامها السامي ، وذلك حين تنتشر بين أيديهم تلك المجسمات
، فتصنع على شكل تعليقات " ميداليات "، تربط بالمفاتيح ، أو تعلق في السيارات ، أو
يلعب بها الأطفال الصغار ، والواجب أن نسعى دائما إلى زيادة تعظيم المشاعر المقدسة
في قلوب الناس بكل صور الاحترام والتبجيل ، فالله عز وجل يقول : ( ثُمَّ لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ .
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ )
الحج/29-30.
ويقول سبحانه : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ
تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج/ 32 .
وننقل هنا الفتاوى والقرارات التي صدرت في المسألة :
" قرار رقم : 74 (3/ 13) بشأن موضوع تصنيع وتسويق مجسم للكعبة المشرفة .
وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم .
أما بعد : فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ، برابطة العالم الإسلامي، في دورته
الثالثة عشرة ، المنعقدة بمكة المكرمة ، والتي بدأت يوم السبت 5 شعبان 1412هـ
الموافق 8/ 2/1992م : قد نظر في الموضوع وقرر :
أن الواجب سد هذا الباب ومنعه ؛ لأن ذلك يفضي إلى شرور ومحظورات .
وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا . والحمد لله رب
العالمين .
رئيس مجلس المجمع الفقهي : عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
نائب الرئيس : د. عبد الله عمر نصيف .
الأعضاء : محمد بن جبير ، د. بكر عبد الله أبو زيد ، عبد الله العبد الرحمن البسام
، صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان (متوقف) ، محمد بن عبد الله بن السبيل ، مصطفى
أحمد الزرقا ، محمد رشيد راغب قباني ، أبو بكر جوسي ، عبد الرحمن حمزة المرزوقي ،
د. أحمد فهمي أبو سنة ، محمد الحبيب بن الخوجه ( بدون توقيع ) ، فضيلة الدكتور يوسف
القرضاوي ، الشيخ محمد الشاذلي النيفر ، فضيلة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي (
بدون توقيع ) ، أبو بكر جوسي ، محمد محمود الصواف ( بدون توقيع ) .
مدير عام المجمع الفقهي الإسلامي : د. طلال عمر بافقيه " .
انتهى من " قرارات المجمع الفقهي " (ص/285) .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/14) في المجموعة الثانية ، جوابا على سؤال
نصه :
" رجل يعلم الناس مناسك الحج بطريقة عملية ، وذلك أنه صنع لهم إطارا خشبيا ملونا
بالأسود يشبه الكعبة ، وكذلك مقام إبراهيم ، والصفا والمروة ، وزمزم والجمرات ..
وغير ذلك مما يتعلق بمناسك الحج ، وعملية التدريب تتم بأن يأتي الناس بإحرامهم
ويلبسونه ، ويقومون بالمناسك ، ابتداء من العمرة إلى نهاية الحج ، ويرفعون أصواتهم
بالتلبية داخل المسجد بأصوات جماعية ، وإن هذه الظاهرة بدأت تنتشر في كل مناطق
المغرب ، بحيث إذا دخلت بعض المساجد ، تجد إطارا خشبيا يشبه الكعبة ، وكل ما له
علاقة بالمناسك على طول السنة "
فأجابت اللجنة الدائمة بقولها :
" صناعة المجسمات من الخشب وغيره لبعض الشعائر الإسلامية كالكعبة ومقام إبراهيم
والجمرات وغيرها لغرض استعمالها في التعليم لأداء مناسك الحج والعمرة على الوجه
المذكور في السؤال لا يجوز ، بل هو بدعة منكرة ؛ لما يفضي إليه من المحاذير الشرعية
، كتعلق القلوب بهذه المجسمات ولو بعد حين ، وتعريضها للامتهان وغير ذلك ، مع عدم
الحاجة إلى هذه الطريقة ، إذ الشرح والبيان باللسان والاستعانة على ذلك بالكتابة
التوضيحية كاف شاف في إيصال المعاني الشرعية إلى عموم الناس ، وقد صح عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أخرجه مسلم في
صحيحه " انتهى .
الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز – نائب الرئيس عبد العزيز آل الشيخ – عضو عبد
الله بن غديان – عضو صالح الفوزان – عضو بكر أبو زيد .
وجاء أيضا في المجموعة الثانية (1/ 323) في جواب سؤال مجسمات للكعبة والقبة الخضراء
على شكل " مداليات ".
فجاء في الفتوى :
" لا يجوز تصنيع مجسم للكعبة المشرفة وللقبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم
، ولا التجارة فيهما ؛ وذلك لأن صناعتهما والتجارة بهما وتداولهما يفضي إلى محظورات
يجب الحذر منها ، وسد كل باب يوصل إليها " انتهى .
الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز – نائب الرئيس عبد العزيز آل الشيخ – عضو عبد
الله بن غديان – عضو صالح الفوزان – عضو بكر أبو زيد .
وينظر ما سبق في الفتوى رقم : (192265) .
والذي نراه أن التعليم بالشرح ، والاستعانة بالوسائل التوضيحية ، والعروض
الإلكترونية على أجهزة الحاسوب ، وشاشات العرض ، أو عرض أفلام حقيقية ملتقطة
للمناسك : كل هذا يغني عن هذه الوسائل التي تكلم فيها أهل العلم بالمنع ، وسواء كان
ذلك التعليم في البيت ، أو في المدرسة ؛ فلو عوضت أولادك بشيء من ذلك : فهو أحسن .
والله أعلم .