الحمد لله.
أسورة " الشامبالا " أسورة مألوفة الشكل ، تلبس في معصم اليد غالبا ، ويصنع منها
أيضا أقراط لللأذنين وبعض الأطواق أو العقود ، تعتمد في تركيبها على الخرزات أو
الكرات الصغيرة ، متعددة الألوان أيضا ، غالبا ما تكون مطاطية أو جلدية لا تعتمد في
نظم خرزاتها على المعادن، ولكنها أصبحت بعد ذلك تجارة رائجة بإدخال الجواهر الذهبية
والماسية في صناعتها ، وصورها مشتهرة متوفرة في صفحات الإنترنت لمن يرغب في معاينة
أشكالها وأنواعها .
والإشكال أن " الشامبالا " (Shamballa) لها معان كبيرة وخطيرة في البوذية ، في بلاد
التبت وبلاد الهند ، فهو مصطلح ذو أبعاد دينية وعقائدية عميقة ، بل إن أصل تولده من
التصورات الروحية البوذية في تلك البلاد ، وتعني عندهم مملكة أسطورية مختفية في
مكان ما في عالم الباطن في بلاد آسيا ، وراء التلال في جبال الهمالايا . وقد وردت
هذه الكلمة في النصوص القديمة جدا في تلك الحضارات ، وتناقل البوذيون لها العديد من
الصور والرسومات التي تجسد خيالاتهم عن تلك المملكة التي تعد " مصدر السعادة "
لجميع الناس ، والتي ستشرق أنوارها على جميع المؤمنين بها في أنحاء العالم .
لذلك لما انتقلت تلك الثقافة إلى بلاد الغرب ، عمل بعض الناس على تجسيد هذه
الأسطورة من خلال بعض الرموز التي تجلب الروحانيات الخاصة بمملكة السعادة ، فصنعت
أساور اليدين التي سميت باسم تلك المملكة الأسطورية " الشامبالا "، وغدت تلك
الأساور رمزا للسعادة الروحية والتنوير والسلام الذي يبحث عنه الناس ، يعتقد فيها
صناعها وتجارها القدرة على إحداث التغيير في نفس لابسها ومن حوله ، وكل لون من
ألوان خرزات تلك الأساور يرتبط بمعنى روحي خاص يطول شرحه ووصفه . وقد وقفنا على هذه
المعلومات وغيرها من المراجع المختصة على شبكة الإنترنت .
والمسلم – في خضم هذه الخلفيات الدينية – يؤمن بأن عالم الباطن هو عالم الغيب الذي
أخبرنا عنه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ، وأخبرنا عنه نبينا عليه الصلاة
والسلام في السنة المطهرة الصحيحة ، وما سوى ذلك فمحدثات وتصورات أرضية بشرية لم
تبن على أساس صحيح ، وغالبا ما تستند إلى رؤى ومنامات ، أو تكهنات يبتدعها رؤوس
الديانات الوثنية ، وخاصة الباطنية منها ، وقد كانت أحد أهم أسباب ارتكاس البشرية
في أوحال الخرافات والأساطير ، وأنستهم واقعهم ومعاشهم ، وأسباب الكون التي ركبها
الله عز وجل فيه ، فمثلت عبر التاريخ قيودا تطوق العقل البشري عن حقيقة ما حوله ،
وعن ربه الخالق جل وعلا ، الذي طلب منه أن لا يتعلق بسواه من الأسباب الأرضية ،
فضلا عن الخرافات والأوهام الوثنية . يقول الله عز وجل : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ
بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي
فِي الصُّدُورِ ) الحج/46.
ولما كان الجاهليون غارقين في وثنيتهم وأوهامهم ، جاء دين التوحيد ليبطل تعلق الناس
بمثل تلك الأسباب ، ويحصر التعلق في أمر الغيب بما عند الله وحده ، وما قدره لعباده
؛ فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وجعل طرق الباطل مخالفة ، ومقابلة لطريق
الحق الذي جاء من عند الله ؛ كما قال سبحانه : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) الحج/62, وقال جل وعلا : ( ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ
مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ) محمد/3 ، وقال
تعالى : ( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا
مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) الأعراف/3 .
فالخلاصة : أن أساور " الشامبالّا " إذا لبسها اللابس مؤمنا بما قد تجلبه من سعادة
روحية أو تأثير في حياته أو مماته – ولو اعتقد أن ذلك بإذن الله - فقد وقع في الشرك
الأصغر ؛ لأن اتخاذ الأسباب التي لم يدل عليها دليل علمي أو شرعي : هو من وسائل
الشرك المحرمة ، كما ثبت عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ : " أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ ،
فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ،
بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا ؟ قَالَ : ( إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً ) ،
فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا ، فَبَايَعَهُ ، وَقَالَ : ( مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً
فَقَدْ أَشْرَكَ ) رواه الإمام أحمد في " المسند " (28/638) وقال المحققون في طبعة
مؤسسة الرسالة : إسناده قوي .
وفي لفظ لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا : ( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً ،
فَلَا أَتَمَّ اللهُ لَهُ ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللهُ لَهُ )
رواه الإمام أحمد في " المسند " (28/623) قال المنذري : إسناده جيد . " الترغيب
والترهيب " (4/239) ( والودع ) خرزٌ أبيض تخرج من البحر بيضاء شقها كشقِّ النوى ،
تعلَّق لدفع العين . ( فلا ودَع ) لا جعله في دَعَةٍ وسكون ، أو لا دفع عنه ما
يخافه .
قال ابن حجر الهيتمي رحمه
الله :
" عد هذين – التمائم والحروز - من الكبائر هو ما يقتضيه الوعيد الذي في هذه
الأحاديث ، لا سيما تسميته شركا ، لكن لم أر أحدا صرح بذلك بخصوصه ، ولكنهم صرحوا
بما يفهم جريان ذلك فيه بالأولى ، نعم يتعين حمله على ما كانوا يفعلونه من تعليق
خرزة - يسمونها تميمة - أو نحوها يرون أنها تدفع عنهم الآفات ، ولا شك أن اعتقاد
هذا جهل وضلال ، وأنه من أكبر الكبائر ؛ لأنه إن لم يكن شركا فهو يؤدي إليه ، إذ لا
ينفع ويضر ويمنع ويدفع إلا الله تعالى " انتهى من " الزواجر " (1/273) .
وجاء في " فتاوى اللجنة
الدائمة " (المجموعة الثانية 1/121): " لبس القلادة أو الحلقة أو عقد الخيوط من أجل
رفع البلاء أو دفعه – محرم وشرك ، من أي جنس كان ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن ذلك وتبرأ ممن فعله ؛ لأنها اعتماد على غير الله سبحانه ، والواجب الاعتماد
على الله وحده ، فهو النافع الضار الشافي "
عبد العزيز بن باز – صالح الفوزان – عبد العزيز آل الشيخ – بكر أبو زيد .
وللمزيد يمكن مراجعة الفتوى رقم : (192206)
، ورقم : (138578)
.
والله أعلم .