الحمد لله.
ثانيا :
هذا الكلام بهذا الإطلاق : غير صحيح ؛ فإن من الآداب الشرعية والأخلاق الفاضلة : ما
لا علاقة له بزمان أو مكان ، فالصدق ، والأمانة ، وترك المعصية ، ولزوم الطاعة : كل
هذا لا علاقة له بالزمان والمكان ، وإنما يتعلق بذلك من يقول بنسبية الأخلاق ،
ونسبية الخير والشر ، وهو قول باطل مردود .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ
الْأَخْلَاقِ ) .
رواه أحمد (8595) وغيره ، وصححه الألباني .
والناس على خيرٍ ماداموا
يتأدبون بآداب السلف ، ويستنون بسنتهم ويأخذون بهديهم؛ وكان السلف يأخذ صغيرهم عن
كبيرهم ، ومتعلمهم عن عالمهم ؛ كما قال بعض أهل العلم :
" كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ يُشْبِهُهُ ، وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ يُشْبِهُ عَلْقَمَةَ ، وَكَانَ مَنْصُورٌ يُشْبِهُ إِبْرَاهِيمَ ،
وَكَانَ سُفْيَانُ يُشْبِهُ مَنْصُورًا ، وَكَانَ وَكِيعٌ يُشْبِهُ سُفْيَانَ ،
وَكَانَ أَحْمَدُ يُشْبِهُ وَكِيعًا ، وَكَانَ أَبُو دَاوُدَ يُشْبِهُ أَحْمَدَ
بْنَ حَنْبَلٍ " .انتهى من "البداية والنهاية" (14/ 618)
وقال الذهبي رَحمَه الله :
" تفقه أَبُو دَاوُد بِأَحْمَد بن حنبل ولازمه مُدَّة ، وَكَانَ يُشَبَّهُ بِهِ
كَمَا كَانَ أَحْمد يشبه بشيخه وَكِيع وَكَانَ وَكِيع يشبه بشيخه سُفْيَان وَكَانَ
سُفْيَان يشبه بشيخه مَنْصُور وَكَانَ مَنْصُور يشبه بشيخه إِبْرَاهِيم وَكَانَ
إِبْرَاهِيم يشبه بشيخه عَلْقَمَة وَكَانَ عَلْقَمَة يشبه بشيخه عبد الله بن
مَسْعُود رضي الله عَنهُ ، وروى أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم
عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يشبه عبد الله بن مَسْعُود بالنبي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم في هَدْيه ودله "انتهى من "طبقات الشافعية" (2/ 296) .
وإنما قد يستفاد من ذلك : في مراعاة أمور العادات والأخلاق ، والمروءات ، التي لا تتعلق بنص شرعي ، وإنما مبناها على عادات الناس ، وأعرافهم ؛ وهذا أمر يختلف باختلاف الزمان والمكان ، فينبغي أن يراعي المربي فيه تغير الأعراف ، وتغير العادات ؛ فلا يحمل أولاده على عادة أو عرف اختلف زمانه ، ما لم يكن ذلك مصادما لنص شرعي واضح ، فهذا لا فصال فيه ، وإنما فيه الحكمة في حمل الرجل أبناءه ورعيته ، على التزام أدب الله لخلقه ، وأدب النبي صلى الله عليه وسلم لأتباعه ، وتحبيبهم في ذلك ، وترغيبهم في الأخذ به عن طواعية ، مع الخلط في أدبهم بين الحزم واللين ، والترغيب والترهيب ، وتأتي الأمر من بابه ، والترفق في شأن الرعاية ، وما يصلح الرعية .
والله تعالى أعلم .