الحمد لله.
ثانياً :
اختلف العلماء في شم الطيب ، هل يأخذ حكم مسه أم لا ؟
فمنهم من رخص في شمه دون مسٍ ، لأن النص ورد في المس فقط .
ومنهم من قال : إن الشم حكمه حكم المس ؛ لأن المقصود الأعظم من الطيب هو الرائحة ،
والاستمتاع بالطيب يكون تارة بالشم وتارة بالاستعمال في البشرة .
قال ابن قدامة : " وَلَا يَتَعَمَّدُ لِشَمِّ الطِّيبِ ، أَيْ لَا يَقْصِدُ شَمَّهُ
مِنْ غَيْرِهِ بِفِعْلٍ مِنْهُ ، نَحْوِ أَنْ يَجْلِسَ عِنْدَ الْعَطَّارِينَ
لِذَلِكَ ، أَوْ يَدْخُلَ الْكَعْبَةَ حَالَ تَجْمِيرِهَا ، لِيَشَمَّ طِيبَهَا ،
أَوْ يَحْمِلَ مَعَهُ عُقْدَةً فِيهَا مِسْكٌ لِيَجِدَ رِيحَهَا .
قَالَ أَحْمَدُ : سُبْحَانَ اللَّه ، كَيْفَ يَجُوزُ هَذَا ؟ " انتهى من " المغني "
(3/ 299) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فَأَمَّا اشْتِمَامُ الطِّيبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّصِلَ بِبَدَنِهِ وَلَا بِثَوْبِهِ ؛ إِمَّا بِأَنْ يَقْرُبَ إِلَيْهِ حَتَّى يَجِدَ رِيحَهُ ، أَوْ يَتَقَرَّبَ هُوَ إِلَى مَوْضِعِهِ حَتَّى يَجِدَ رِيحَهُ ، فَلَا يَجُوزُ ... وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّطَيُّبِ وُجُودُ رَائِحَةِ الطِّيبِ ، فَإِذَا تَعَمَّدَ الشَّمَّ : فَقَدْ أَتَى بِمَقْصُودِ الْمَحْظُورِ ، بَلِ اشْتِمَامُهُ لِلطِّيبِ أَبْلَغُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَالتَّرَفُّهِ مِنْ حَمْلِ طِيبٍ لَا يَجِدُ رِيحَهُ ، بِأَنْ يَكُونَ مَيِّتًا أَوْ نَائِمًا أَوْ أَخْشَمَ ". انتهى من " شرح عمدة الفقه " (3/ 88).
وقال ابن القيم رحمه الله :
" وَعَلَى هَذَا، فَإِنَّمَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ قَصْدِ شَمِّ الطِّيبِ
لِلتَّرَفُّهِ وَاللَّذَّةِ ، فَأَمَّا إِذَا وَصَلَتِ الرَّائِحَةُ إِلَى أَنْفِهِ
مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ ، أَوْ شَمَّهُ قَصْدًا لِاسْتِعْلَامِهِ عِنْدَ
شِرَائِهِ ، لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَدُّ أَنْفِهِ ".
انتهى من " زاد المعاد " (2/ 223).
وبناء على ما سبق فلا يجوز
للمحرم والمعتدة شم الطيب ولا الأزهار التي يستخرج منها الطيب كالريحان والبرك
وغيره .
وحُكم المحرم والمعتدة في هذا الباب واحد من حيث التحريم .
قال الجويني : " يحرم على المحِدة من هذا القبيل ما يحرم على المُحرِم ".
انتهى من "نهاية المطلب في دراية المذهب" (15/ 250) .
ثالثاً :
أما إذا خُلط الطيب بشيء من الأطعمة والأشربة ، وكان تأثيره ظاهراً فيها من حيث
الرائحة والطعم ، فلا يجوز تناوله ، وإن لم يظهر له تأثير فيها فلا حرج من تناوله .
قال العمراني : " " وإن جُعل الطيب في مأكول أو مشروب .. نظرت : فإن لم يكن له طعم
ولا لون ، ولا رائحة .. جاز له أكله وشربه ؛ لأنه قد صار كالمعدوم .
وإن بقي له رائحة .. لم يجز له أكله ولا شربه ". انتهى من " البيان " (4/ 159) .
وقال ابن قدامة : "الزَّعْفَرَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ الطِّيبِ ، إذَا جُعِلَ فِي مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ ، فَلَمْ تَذْهَبْ رَائِحَتُهُ ، لَمْ يُبَحْ لِلْمُحْرِمِ تَنَاوُلُهُ ، نِيئًا كَانَ أَوْ قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ... لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الطِّيبِ رَائِحَتُهُ ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ ... فَإِن ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ وَطَعْمُهُ ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا اللَّوْنُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا". انتهى من" المغني " (3/ 297) .
وعليه فلا يجوز للمحرم
والمعتدة أن يشربا شيئا فيه أثر الطيب .
رابعاً :
أما النعناع واليانسون ، فلا حرج على المرأة المعتدة ، وكذا المحرم ، من استعمالها
وشربها ؛ لأنها ليست بطيب وإن كان لها رائحة طيبة .
فالطيب المحرَّم على المعتدة والمحْرم هو الذي يكون المقصود الأظهرُ منه التطيب ،
ولا عبرة بالرائحة المستطابة فقط .
قال النووي : " يشْتَرَطُ فِي الطِّيبِ الَّذِي يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ أَنْ
يَكُونَ مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ الطِّيبَ وَاتِّخَاذَ الطِّيبِ مِنْهُ ، أَوْ
يَظْهَرَ فِيهِ هَذَا الْغَرَضُ ، هَذَا ضَابِطُهُ ". انتهى ، "المجموع شرح المهذب"
(7/ 277).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين :
ما حكم شرب المحرم للماء الذي وضع فيه ماء الورد أو النعناع؟
فقال : " أما ماء الورد فلا يجوز أن يشرب الإنسان منه متى كانت رائحته باقية ، وأما
النعناع فلا بأس به ؛ لأن رائحته ليست طيباً ولكنها رائحة ونكهة طيبة ، فهي من جنس
رائحة التفاح والأترج وما أشبههما ". انتهى من "اللقاء الشهري" (63/ 34، بترقيم
الشاملة)
وقال : " وأما الروائح الطيبة التي لا تعد طيباً كرائحة التفاح والنعناع وما أشبهه
فلا بأس به؛ لأن هذا ليس بطيب " انتهى من " لقاء الباب المفتوح" (200/ 6، بترقيم
الشاملة آليا)
والله أعلم .