ما هو المركب الهنيء الذي يُعدّ من سعادة المرء؟
في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ : الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ الهنيء .
السؤال : ما معنى المركب الهنيء ؟ هل كان المقصود به في ذلك الوقت الخيل أم الجمل ؟ وما هو المركوب السيئ ؟
الجواب
الحمد لله.
روى ابن حبان في صحيحه (4032) وأحمد في مسنده (1448) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله
عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أربع من السعادة : المرأة الصالحة ،
والمسكن الواسع ، والجار الصالح ، والمركب الهنيء ، وأربع من الشقاوة : الجار السوء
، والمرأة السوء ، والمسكن الضيق ، والمركب السوء ) وصححه الألباني في "الصحيحة"
(282) .
وتقدم في السؤال رقم (120807)
أن المقصود بالسعادة في الحديث سعادة الدنيا ، من راحة الأبدان وصلاح الحال ،
والمقصود بالشقاوة فيه نكد الدنيا وتعبها وحصول التنغيص فيها .
والمقصود بالمركب الهنيء المركب السهل الذي تصل به إلى المكان الذي تريده بسهولة
ويسر بلا تعب ولا مشقة ، وقد تهيأ لك أثناء ركوبك إياه وسفرك به الوقت السانح لذكر
الله ؛ لما أنعم الله به عليك من سهولته وطواعيته وانقياده .
بخلاف المركب السوء الذي يتعبك ويرهقك ، ولا تصل به إلى المكان الذي تريده إلا
بالمشقة والتعب ، وربما تأخر بك عن ركب تريد اللحاق به ، وقد أضجرك وشغلك ببطئه أو
جموحه ونفوره عن ذكر الله وتلاوة القرآن .
وقد رواه الحاكم (2684) ولفظه : ( ثلاث من السعادة وثلاث من الشقاوة : فمن السعادة
: المرأة تراها تعجبك ، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك ، والدابة تكون وطيئة فتلحقك
بأصحابك ، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق ، ومن الشقاوة : المرأة تراها فتسوءك ،
وتحمل لسانها عليك ، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك ، والدابة تكون قَطوفا
فإن ضربتها أتعبتك ، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك ، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق
) .
وحسنه الألباني في "الصحيحة" (1047) .
قال المناوي رحمه الله في " فيض القدير " (3/442) :
" (والدابة تكون وطيئة) أي هنية سريعة المشي سهلة الانقياد (فتلحقك بأصحابك) بلا
تعب ولا مشقة في الإحثاث ... (والدابة تكون قطوفا) القطوف من الدواب البطيء (فإن
ضربتها) لتسرع بك ( أتعبتك ، وإن تركتها ) تمشي بغير ضرب ( لم تلحقك بأصحابك) أي
رفقتك بل تقطعك عنهم " انتهى .
وقال أيضا :
" (والمركب الهنيء) أي الدابة السريعة السير غير الجموح والنفور ، والخشنة المشي
التي يخاف منها السقوط وانزعاج الأعضاء وتشويش البدن " انتهى من " فيض القدير" ( 3
/399 ) .
وقال الطحاوي رحمه الله :
" ( الْمَرْكَبِ الْهَنِيءِ ) يَكُونَ ذلك بِرَفْعِ الشُّغْلِ عن قَلْبِهِ
وَيَكُونَ في رُكُوبِهِ على أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا مُتَشَاغِلاً بِذِكْرِ
رَبِّهِ عز وجل ، وَإِمَّا غير مَشْغُولِ الْقَلْبِ بِمَا يُؤْذِيهِ من مَرْكَبِهِ
" .
انتهى من " شرح مشكل الاثار " ( 7 /212 ) .
فكان المقصود بالمركب في الحديث أولا كل ما يُركب من الدواب ، كالخيل والبغال
والحمير والجمال ، ويدخل معهم أيضا السفن ، قال تعالى : ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ
وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/ 8
، وقال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ
) إبراهيم/ 32 .
أما اليوم فهو يشمل ذلك أيضا ، كما يشمل ما قام مقامه من السيارات ونحوها من
المراكب الحديثة .
ولذلك يُشرع عند ركوبها أن يقول الإنسان ذكر ركوب الدابة ، وإذا كان الله تعالى قد
امتن على عباده بالخيل والبغال والحمير ، فمنّته بهذه المركبات الحديثة أعظم وأولى
بالشكر .
فحكم الكل سواء .
والله أعلم .