الحمد لله.
ثانيا :
روى البخاري (1145) ومسلم (758) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى
كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ
الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِى
فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ ) .
وروى مسلم (1163) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ :
( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ
اللَّيْلِ ) .
وروى الترمذي (3579) وصححه عن عَمْرُو بْن عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ
الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ
مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ ) وصححه الألباني .
فهذا يدل على أن جوف الليل الآخر أفضل أوقات صلاة الليل والدعاء .
والجمع بين هذه الأحاديث
وحديث صلاة نبي الله داود : أن من صلى صلاة داود عليه السلام سيدرك الثلث الأخير ،
وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (140434)
أن الثلث الأخير هو عبارة عن السدسين : الخامس والسادس ، وأن أول هذا الثلث هو
السدس الخامس .
فيحصل المقصود كله : إدراك التنزل الإلهي في الثلث الأخير من الليل ، وذلك باستيقاظ
السدس الخامس ، وهو نصف هذا الثلث الأخير ؛ ثم النوم بالقدر الذي يصبح به الإنسان
نشيطا غير كسلان ، فيصلي الصبح بحضور الذهن والقلب ، ولا يفتر عن أذكار الصباح .
وينظر جواب السؤال رقم : (140434)
.
ثالثا :
قول السائل : " الظاهر من الأحاديث التي وقفت عليها أن أحب نوم وصلاة إلى الله
تعالى هي نوم النصف الأول مع السدس الذي يليه ثم قيام الثلث الأخير إلى الفجر " قول
غير صحيح ؛ لما تقدم من أن أفضل الترتيب : نوم النصف ، ثم قيام الثلث ، ثم نوم
السدس ، ثم القيام لصلاة الفجر .
ومن قام هذا الثلث أدرك الثلث الأخير المفضل ، ولا يلزم إدراكه كله ، وإدراك نصفه
ونوم نصفه أفضل لما تقدم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فإن قال قائل : لماذا لا تجعلون الأفضلَ ثُلُث الليلِ الآخرِ؛ لأنَّ ذلك وقت
النُّزول الإلهي؟.
فالجواب : أنَّ الذي يقوم ثُلُث الليل بعد نصفه سوف يدرك النُّزول الإلهي؛ لأنه
سيدرك النصف الأول مِن الثلث الأخير ، فيحصُل المقصودُ ، والنبيُّ عليه الصَّلاة
والسَّلام هو الذي قال : ( أفضلُ الصَّلاة صلاة داود ) .
" انتهى من "الشرح الممتع" (4 /75-76) .
وقد روى البخاري (1133)، ومسلم (742) عَنْ عَائِشَةَ رضى
الله عنها قَالَتْ : ( مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلاَّ نَائِمًا ) تَعْنِى
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
قال العيني رحمه الله :
" يعني ما أتى عليه السحر عندي إلا وهو نائم ، فعلى هذا كانت صلاته بالليل وفعله
فيه إلى السحر ، ويقال : هذا النوم هو النوم الذي كان داود عليه الصلاة والسلام
ينام ، وهو أنه كان ينام أول الليلة ، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي فيه الله عز وجل
: هل من سائل ؟ ثم يستدرك من النوم ما يستريح به من نصب القيام في الليل ، وهذا هو
النوم عند السحر على ما بوب له البخاري " .
انتهى من "عمدة القاري" (11 /284) .
وقال ابن الأثير رحمه الله :
" أي ما أتَى عليه السَّحَرُ إلا وهو نائم . تَعني بعد صلاة الليل " .
انتهى من "النهاية" (4 /530) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
" وكان صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل فربما قام نصف الليل أو قبله ، فيصلي ؛
فإذا جاء السحر عاد إلى نومه ، وقد قال : ( أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف
الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ) ، وقد قيل إن سبب الصفرة في الوجه سهر آخر الليل ،
فإذا نام الإنسان قبل الفجر لم تظهر عليه صفرة في الوجه ولا أثر في السهر " انتهى
من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (ص 1224) .
فتبين بذلك أن غالب أحوال
النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ، يوافق صلاة نبي الله داود عليه السلام .
رابعا :
ينبغي التنبه إلى أن الإنسان يحرص على صلاة الليل بالصورة التي تناسب حاله ،
وبالقدر الذي يغلب على ظنه أنه يداوم عليه ، فإن الناس تختلف أحوالهم ، فمنهم من
ينام مبكرا ليستيقظ مبكرا ، ومنهم من يكون عمله ووظيفته بالليل ، ومنهم من يعمل
بالليل والنهار ، فليحرص كل مسلم على صلاة الليل ، بالقدر الذي يمكنه الوفاء به ،
والثبات عليه ؛ حتى ولو لم يوافق ما تقدم من الحال الأفضل ، ثم ليكن حرصه على
القيام لصلاة الفجر هو المقدم في كل الأحوال .
والله تعالى أعلم .