الحمد لله.
وعلو الله تعالى على عرشه وعلى جميع خلقه : يعني كونه سبحانه وتعالى فوق
المخلوقات كلها ، فوق السماء ، وفوق الجنة ، وفوق العرش ، وأنه سبحانه وتعالى لا
يحويه شيء من هذه المخلوقات ، ولا يحتاج هو ـ سبحانه ـ إلى شيء منها ، بل هو خالقها
والقيوم عليها ، ولا قوام للعرش ، ولا غيره من الخلق إلا بقيام الله جل جلاله عليه
، وإقامته له .
والنصوص التي تصف الله تعالى بأنه ( في السماء ) تعني أنه سبحانه عالٍ على خلقه ،
ولا تعني أنه عز وجل تحويه السماء وتحيط به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" السلف والأئمة وسائر علماء السنة إذا قالوا " إنه فوق العرش ، وإنه في السماء فوق
كل شيء " لا يقولون إن هناك شيئا يحويه ، أو يحصره ، أو يكون محلا له ، أو ظرفا
ووعاء ، سبحانه وتعالى عن ذلك ، بل هو فوق كل شيء ، وهو مستغن عن كل شيء ، وكل شيء
مفتقر إليه ، وهو عالٍ على كل شيء ، وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته ،
وكل مخلوق مفتقر إليه ، وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق " انتهى من" مجموع الفتاوى "
(16/100-101) .
وانظر جواب السؤال رقم : (992) ، (11035) ، (124469) .
ثالثا :
السؤال عن أسماء الله تعالى وصفاته ، ومن ذلك علوه تعالى على خلقه : لا يستنكر ، بل
هو سبيل للعلم بأشرف العلوم كما تقدم ، ومن ذلك قولنا : أين الله ؟
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" سأل النبي صلى الله عليه وسلم جارية جاء بها سيدها ليعتقها، فقال لها الرسول: " (
أين الله ؟ ) ، قالت: في السماء ، قال : ( من أنا ؟ ) ، قالت: أنت رسول الله ، قال:
( أعتقها فإنها مؤمنة ) رواه مسلم في الصحيح (537) . فالرسول صلى الله عليه وسلم
أقر هذه الجارية ؛ وما ذاك إلا لأن إيمانها بأن الله في السماء يدل على إخلاصها لله
، وتوحيدها لله ، وأنها مؤمنة به سبحانه وبعلوه ، فوق جميع خلقه وبرسوله محمد صلى
الله عليه وسلم حيث قالت: أنت رسول الله .
أما قوله جل وعلا : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) . فهذا لا
ينافي ذلك ، الكرسي فوق السماوات ، والعرش فوق الكرسي ، والله فوق العرش ، فوق جميع
الخلق سبحانه وتعالى .
وتحديد الجهة لا مانع منه ، جهة العلو؛ لأن الله في العلو، وإنما يُشَبِّه بهذا بعض
المتكلمين ، وبعض المبتدعة ويقولون : ليس في جهة.
وهذا كلام فيه تفصيل ، فإن أرادوا ليس في جهة مخلوقة ، وأنه ليس في داخل السماوات ،
وليس في داخل الأرض ونحوها - فهذا صحيح.
أما إن أرادوا أنه ليس في العلو فهذا باطل ، وخلاف ما دل عليه كتاب الله ، وما دلت
عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وما دل عليه إجماع سلف الأمة ، فقد أجمع
علماء الإسلام أن الله في السماء ، فوق العرش ، فوق جميع الخلق ، والجهة التي هو
فيها هي جهة العلو ، وهي ما فوق جميع الخلق .
وهذه الأسئلة ليست بدعة ، ولم ينه عنها ، بل هذه الأسئلة مأمور بها ، يعلمها
الناس .
ومن قال : إن الله في الأرض ، إن الله في كل مكان كالجهمية والمعتزلة ونحوهم فهو
كافر عند أهل السنة والجماعة ؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ، في إخبارهما بأن الله
سبحانه في السماء فوق العرش جل وعلا ...
فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يصفوا الله سبحانه بما وصف به نفسه ، وبما وصفه
به رسوله عليه الصلاة والسلام من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ، ولا تمثيل بل مع
الإيمان بأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
انتهى باختصار من "فتاوى نور على الدرب" (1/ 127-130) .
والله تعالى أعلم .