تأمرهم المدرِّسة بالقيام لها إذا دخلت بحجة أن هذا من تعظيم العِلْم
عندنا أستاذة لنا ، وبعد دخولنا إلى القسم ، تأمرنا بالقيام ، ليس قياما لها ، بل قياما تحية للعِلم (بكسر العين) وتحية لقوله تعالى : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) ، فما حكم ذلك ؟
الجواب
الحمد لله.
فلا يجوز للمدرس أن يأمر التلاميذ بالقيام له لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ففي
الحديث : ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ
مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) أخرجه أبو داود (5229) , وأحمد (16830), وأخرجه الترمذي
(2755) بلفظ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) . وصححه الشيخ الألباني في " مشكاة
المصابيح " برقم (4699) .
وقول المدرسة إن القيام تحية للعِلم : قول غير صحيح ، ولو كان هذا صحيحا لكان أولى
بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه أعلم الخلق وأتقاهم ، ومع ذلك لم يكن
الصحابة رضوان الله عليهم يقومون له ، لما يعلمون من كراهيته لذلك.
وأما قيام الطلاب من تلقاء أنفسهم للمدرس دون أن يطلب ذلك منهم , فهذا قد اختلف فيه
أهل العلم : فبعضهم كرهه ، وبعضهم استحبه :
أما من استحبه فقد استدل بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال : " لما نزلت بنو
قريظة على حكم سعد بن معاذ ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد وكان قريبا
منه، فجاء على حمار ، فلما دنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى
سيدكم) " البخاري (3043) , مسلم (1768) .
جاء في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (7 / 2974) : "وقيام المتعلم للمعلم
مستحب غير مكروه , وقال البيهقي : هذا القيام يكون على وجه البر والإكرام ، كما كان
قيام الأنصار لسعد ، وقيام طلحة لكعب بن مالك ، ولا ينبغي للذي يقام له أن يريد ذلك
من صاحبه ، حتى إن لم يفعل حقد عليه أو شكاه أو عاتبه " انتهى .
وأما من كرهه فقد استدل بحديث أَنَسٍ قَالَ : " لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ
إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانُوا
إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ " .
رواه الترمذي ( 2754 ) وصححه ، وصححه أيضا الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : "بلغني أن كثيراً من المدرسين يأمرون
الطلبة بالقيام لهم إذا دخلوا عليهم الفصل ولا شك أن هذا مخالف للسنة الصحيحة .
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أحب أن يمثل له الرجال
قياماً فليتبوأ مقعده من النار) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن معاوية
رضي الله عنه بإسناد صحيح ، وروى الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح عن أنس رضي الله
عنه قال : " لم يكن شخص أحب إليهم - يعني الصحابة رضوان الله عليهم - من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وكانوا لا يقومون له إذا دخل عليهم لما يعلمون من كراهيته
لذلك " .
فالسنة ، عدم القيام للمدرسين إذا دخلوا على الطلبة في الفصول عملاً بهذين الحدثين
الشريفين . وما جاء في معناهما .
ولا يجوز للمدرس أن يأمرهم بالقيام ، لما في حديث معاوية من الوعيد في ذلك ، ويكره
للطلبة أن يقوموا عملاً بحديث أنس المذكور ، ولا يخفى أن الخير كله في اتباع سنة
الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به وأصحابه رضي الله عنهم ، جعلنا الله وإياكم
من أتباعهم بإحسان ، ووفقنا للفقه في دينه ، والثبات عليه" انتهـى من "مجلة البحوث
الإسلامية" (26/347) .
وقال أيضا رحمه الله " قيام البنات للمُدرسة والبنين للمُدرس أمر لا ينبغي ، وأقل
ما فيه الكراهة الشديدة ، لقول أنس رضي الله عنه : (ولم يكن أحد أحب إليهم – يعني
الصحابة رضي الله عنهم – من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكونوا يقومون له
إذا دخل عليهم ، لما يعلمون من كراهته لذلك) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من
أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) .
وحكم النساء حكم الرجال في هذا الأمر ، وفق الله الجميع لما يرضيه وجنبنا جميعاً
مساخطه ، ومنح الجميع العلم النافع والعمل به ، إنه جواد كريم" .
انتهى من "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 390) .
والله أعلم .