وأيهما أكثر في الأجر : الجهاد أم كونه يصبح عالماً، ويفتي ، ويصنع المجاهدين ؟
الحمد لله.
ثالثا:
المفاضلة بين الجهاد في سبيل الله وبين طلب العلم تكون بحسب اختلاف الأحوال ، فإذا
كان الجهاد فرض عين ، فالجهاد أفضل من طلب العلم ، بل يتعين الانتقال إليه.
وإذا كان فرض كفاية فطلب العلم أفضل .
وكذلك بالنسبة للأشخاص : فمن كان متصفا بالشجاعة والإقدام والنكاية بالعدو فالجهاد
في حقه أفضل ، وخاصة إذا كان استيعابه للعلم ضعيفا .
ومن كان مُجِدا في الطلب ، سريع الفهم ، قوي الحفظ ، معروفا بالنبوغ : فطلب العلم
في حقه أفضل ، وخاصة إذا كان ضعيف البنية ، وليست عنده دراية كافية بأساليب الحرب
والقتال .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لا شك أن طلب العلم الشرعي من أفضل الأعمال الصالحة ، بل هو معادلٌ للجهاد في
سبيل الله ، كما قال الله تبارك وتعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ
لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة/122 ، فبين الله عز وجل أن المؤمنين لا يمكن أن
ينفروا جميعاً للجهاد في سبيل الله ؛ لأن ذلك يؤدي إلى تعطل المنافع الأخرى التي لا
بد للإسلام من القيام بها .
فطلب العلم الشرعي لا شك أنه معادل للجهاد في سبيل الله .
واختلف العلماء أيهما أفضل: العلم أو الجهاد ؟ ولا شك أن منفعة العلم أعم من منفعة
الجهاد ؛ لأن منفعة الجهاد إذا تحققت فإنما هي في جزءٍ معين من الأرض، لكن العلم
ينتفع به كل الناس ، فالعلم من حيث المنفعة هو أفضل من الجهاد ، لكن مع ذلك قد نقول
لبعض الناس : الجهاد في حقهم أفضل ، ونقول لآخرين: العلم في حقهم أفضل ، ويظهر هذا
بالمثال : فإذا كان هناك رجل شجاع قوي عالمٌ بأساليب الحرب ، ولكنه في طلب العلم
رديء الحفظ صعب عليه والفهم قليل ، فهذا نقول: الجهاد في حقه أفضل لأنه أنفع .
وآخر ليس بذاك في الشجاعة ، ومعرفة أساليب الحرب، لكنه قوي في الحفظ ، قوي في الفهم
، قوي في الحجة ، قوي في الإقناع ، فهذا نقول: طلب العلم في حقه أفضل .
إذاً الخطوط التي نفهمها الآن :
- طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله .
- أيهما أفضل؟ يختلف هذا باختلاف الناس ، فبعض الناس نقول له : الجهاد في حقك أفضل
، وبعض الناس نقول له : العلم في حقك أفضل ، حسب ما يقتضيه الحال " انتهى من "لقاء
الباب المفتوح" (164/ 2) بترقيم الشاملة .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (128163) .
رابعا :
أجر العامل وتضعيفه يعلمه الله ، ويكون ذلك بحسب نيته وإخلاصه ومتابعته ومقدار أثره
النافع وعاقبته الحسنى ، فقد يكون المجاهد أعظم أجرا لشدة نكايته بالعدو ، ولبسالته
وشدة بأسه ، مع حسن نيته ورغبته في إعلاء كلمة الله وتضحيته بماله ونفسه في سبيل
الله .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ ،
وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ ) رواه الترمذي (2616)
وغيره ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " برقم (413).
وقد يكون العالم أعظم أجرا ، لتعليمه الناس العقيدة الصحيحة والعلم النافع
والعمل الصالح والذي يكون منه الجهاد ونشره السنة ورده على أهل البدعة .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ
الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ
شَيْئًا ) رواه مسلم (2674) .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (10471) .
والله أعلم .