لا حرج في تحرير الصور لأغراض الكتب التعليمية
هل يجوز تحرير الصور التي تحتوي على كائنات حيّة وهذه الصور عبارة عن رسومات توضيحية في أحد الكتب التعليمية للأطفال ؟
ففي هذه الصور أحتاج إلى تغيير بعض السمات ، كالإضاءة والخلفية والتباين .... الخ . ولن أحتاج إلى التغيير في الشكل أو المضمون ، كالأنف أو الشفتين أو الذراعين أو الجسد أو لون الجلد أو لون العين .. الخ .
الجواب
الحمد لله.
اختلف أهل العلم في عصرنا ، في حكم هذه النازلة ، وأمثالها ؛ فذهب بعض أهل العلم
إلى تحريم صور ذوات الأرواح مطلقا .
ورخص بعضهم فيما ترجح فيه وجه المصلحة .
وقد سبق في موقعنا العديد من الفتاوى التي بينا فيها استثناء ألعاب الأطفال من حرمة
التصوير ، وأن ذلك من يسر الشريعة وتخفيفها ، ومراعاتها حاجة اللعب لدى الأطفال ،
مع انتفاء المحذور من التصوير ، فجاءت الأدلة الكثيرة على هذا الاستثناء . يمكن
مراجعتها في الفتوى رقم : (170060) ، (71170)
.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" من نظر إلى عموم الرُّخصة ، وأنَّه قد يُرخَّص للصِّغار ما لا يُرخَّص للكبار ،
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في باب السَّبْق ، لما ذكر بعض آلات اللهو
قال : إنه يُرخَّصُ للصِّغار ما لا يُرخَّصُ للكبار . لأن طبيعة الصِّغار اللهو ،
ولهذا تجد هذه الصُّور عند البنات الصِّغار كالبنات حقيقة ، كأنها ولدتها ، وربما
تكون وسيلة لها لتربِّي أولادها في المستقبل ، وتجدها تُسمِّيها أيضاً ، هذه فلانة
، وهذه فلانة . فقد يقول قائل : إنه يُرَخَّصُ لها فيها ـ يعني : الألعاب التي هي
دقيقة التَّصوير، وعلى صورة الإنسان تماماً ـ ؛ فأنا أتوقَّفُ في تحريمها ، لكن
يمكن التخلُّص من الشُّبهة بأن يُطمس وجهها " .
انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (2/ 208) .
فإذا كانت حاجة اللعب لدى الطفل أجازت استعمال الصور " المجسمة "، وقد كانت لدى
أطفال الصحابة الكرام أنواع من اللعب ، بل كانت بين يدي أم المؤمنين عائشة رضي الله
عنها أنواع من صور الحيوانات ومجسماتها ، كالخيل التي لها أجنحة ، فلما رآها النبي
صلى الله عليه وسلم سألها : ( مَا هَذا الذي عَليه ؟ قَالَت : جَنَاحَانِ . قَالَ :
فَرَسٌ لَه جَناحانِ ؟ ! قَالَت : أَمَا سَمِعتَ أَنَّ لِسُلَيمَانَ خَيْلًا لَهَا
أَجْنِحَةٌ ؟! قَالَت : فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيتُ نَوَاجِذَه ) رواه أبو داود (4932)
وصححه العراقي في " تخريج الإحياء " (2/344) والألباني .
قالَ الحافظُ ابنُ حجر رحمه الله :
" استُدلَّ بهذا الحديثِ على جوازِ اتخاذِ صورِ البناتِ واللعب ، من أجلِ لَعِبِ
البناتِ بهن ، وخُصَّ ذلك من عمومِ النهي عن اتخاذِ الصور ، وبه جزمَ عياضٌ ، ونقله
عن الجمهورِ ، وأنهم أجازوا بيعَ اللعبِ للبناتِ لتدريبهن من صغرِهن على أمرِ
بيوتهِن وأولادهن " .
انتهى من " فتح الباري " (10/527) .
فإذا كان هذا كله جائزا ؛ فمن باب أولى أن تجيز الشريعة الصور التعليمية الهادفة
التي يحتاجها الصغار في مدارسهم والكتب الخاصة بهم ؛ لأن ضرورة التعليم أولى من
حاجة الترفيه ، ولأن النفع العائد من هذه الصور أعظم وأجل من غيرها من اللعب ، فكان
قياس الأولى في هذه المسألة واضحا .
والحاصل : أنه لا حرج عليك في عملك في تحرير تلك الصور ، وإخراجها بالشكل الفني
المناسب ، خاصة إذا كانت الصور " فوتوغرافية "، وليست رسما باليد ، فهذه لا تدخل في
تحريم التصوير أصلا .
جاء في " ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين " لأحمد القاضي ` مسألة ( 33 )
(/7/1417هـ) قال : " سألت شيخنا رحمه الله : ما حكم أفلام الكرتون التعليمية
للأطفال ؟ فأجاب : لا بأس بذلك للفائدة ، ولكونه يشغلهم عما يضرهم " انتهى باختصار.
وفيه أيضا مسألة ( 35 ) ( 5/7/1417هـ ) قال : " سئل شيخنا رحمه الله : ما حكم قصص
الأطفال التي تحمل رسوماً يدوية ؟ فأجاب : لا بأس بذلك ، لأنك وجدتها مرسومة ، وليس
مقصودك الصورة " انتهى .
وفي " لقاء الباب المفتوح " سئل الشيخ رحمه الله السؤال الآتي :
" رجل ليس في بيته تلفاز ، وعنده ابن عمره أقل من ست سنوات ، وأم هذا الولد تلح على
زوجها بشراء جهاز فيديو وتلفاز ليستفيد هذا الطفل من هذه الأشرطة ، وتحفظه من اللعب
في الشارع ، مع أن الأشرطة دينية ، وبعضها كمثال تعليم الحروف الهجائية ، ولكن فيها
صور حيوانية متحركة ، وأصحاب الفيل ، وهكذا ؟
فأجاب بقوله :
لا بأس ، أرى أن يجيب زوجته لهذا ؛ لأنه يحفظ الطفل من الذهاب يميناً وشمالاً ، أو
عن الذهاب إلى الجيران ، ويوضع له أشرطة فيها خير له ، وكون الصور متحركة لا يضر ؛
لأن هذا التحرك تحرك فني حسبما صمم ، فلا أرى فيه بأساً " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
كثير من الألعاب تحوي صورًا مرسومة باليد لذوات الأرواح ، والهدف منها غالبًا
التعليم ، مثل هذه الموجودة في الكتاب الناطق ، فهل هي جائزة ؟
فأجاب بقوله :
إذا كانت لتسلية الصغار ، فإن من أجاز اللعب للصغار : يجيز مثل هذه الصور .
على أن هذه الصور ليست أيضًا مطابقة للصورة التي خلق الله عليها هذه المخلوقات
المصورة ، كما يتضح مما هو أمامي . والخطب في هذا سهل " .
انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (12/339) .
وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" ما حكم استخدام الصور لتعليم الطلاب الصم أمورهم الدينية مثل تعليمهم الصلاة ؟
فأجاب :
يجوز ذلك للحاجة الماسة ، فإن الصم البكم لا يسمعون ولا ينطقون ، فيلاقي المعلم
صعوبة في إفهامهم وإيصال المعلومات إلى أذهانهم ، ففي الصور المرسومة تقريب للمعنى
، ووسيلة إلى تصور المراد ، وإدراك المقصود منه ، كرسم القيام في الصلاة ، وقبض
اليدين على الصدر ، وكتابة اسم ( قيام )، ورسم الركوع وكتابة كلمة (ركوع) ، وهكذا
بقية الأعمال إذا توقف الفهم على الرسم واستخدام الصور المرسومة ، سواء على السبورة
، أو على ورقة ، ونحو ذلك " .
انتهى من " الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية " (1/ 77 ترقم الشاملة).
والله أعلم .