هل يصح أن ربنا سبحانه وتعالى يقرأ القرآن علينا في الجنة ؟
والبعض يقول : إن ربنا عز وجل يقرأ سورة الرحمن بالأخص ، فما صحة ذلك ؟
الحمد لله.
وردت عدة أحاديث تفيد أن الله تعالى يتلو القرآن على أهل الجنة ، ولكنها كلها ضعيفة
لا يثبت شيء منها ، فمن ذلك :
- ما رواه أبو نعيم في " صفة الجنة " (270) من طريق الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْبَكْرِيِّ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ بُرَيْدَةَ ، قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ كُلَّ يَوْمٍ
مَرَّتَيْنِ عَلَى الْجَبَّارِ تَعَالَى فَيَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ، وَقَدْ
جَلَسَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ عَلَى مَنَابِرِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ
، وَالزَّبَرْجَدِ ، وَالذَّهَبِ وَالزُّمُرُّدِ كُلًّا بِأَعْمَالِهِمْ ، فَلَمْ
تَقَرَّ أَعْيُنُهُمْ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَسْمَعُوا شَيْئًا قَطُّ أَعْظَمَ , وَلَا
أَحْسَنَ مِنْهُ ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى رِحَالِهِمْ نَاعِمِينَ قَرِيرَةً
أَعْيُنُهُمْ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْغَدِ " .
وهذا إسناد ضعيف جدا ، صالح بن حيان ضعيف ، والمسيب بن شريك متروك .
وقد ذكره الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (2/90) مرفوعا ، ولا يصح .
وأورده الألباني في "ضعيف الجامع" (1834) وضعفه .
- وروى أبو الفضل الرازي في "فضائل القرآن" (ص 162) من طريق محمد بْن يونس
الْقُرَشِيّ ، نا عباد بْن واقد مولى بني هاشم ، نا عبد الله بْن جراد ، نا أشعث
الحداني ، عَن شهر بْن حوشب عن أَبِي هريرة ، قال : قال رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا كَانَ يوم القيامة ، قرأ الله تبارك وَتَعَالَى القرآن
عَلَى النَّاس كأنهم لم يسمعوه ، فيحفظ المؤمنون وينساه المنافقون) .
وهذا إسناد واه جدا ، شهر بن حوشب ضعيف ، وعبد الله بن جراد مجهول ، ومحمد بن يونس
القرشي هو الكديمي مشهور بالوضع ، قال ابن حبان : لعله قد وضع أكثر من ألف حديث.
انظر : "ميزان الاعتدال" (4/ 74) .
- وروى ابن خزيمة في "التوحيد" (1/402) من طريق إِبْرَاهِيم بْن الْمُهَاجِرِ بْنِ
مِسْمَارٍ ، قَالَ : ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ ذَكْوَانَ ، عَنْ مَوْلَى
الْحُرَقَةِ ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرَأَ طه وَيس ،
قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ ، فَلَمَّا سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ
الْقُرْآنَ قَالَتْ : طُوبَى لِأُمَّةٍ يَنْزِلُ هَذَا عَلَيْهِمْ ، طُوبَى
لِأَلْسُنٍ تَتَكَلَّمُ بِهَذَا ، وَطُوبَى لِأَجْوَافٍ تَحْمِلُ هَذَا ) .
وهذا إسناد ضعيف جدا ، عمر بن حفص ، وإبراهيم بن المهاجر متروكان .
وأورد هذا الحديث الألباني في "الضعيفة" (1248) وقال : " منكر " .
- وروى السجزي في "الإبانة" - كما في "الفتح الكبير" للنبهاني (2 /296) -
عن أنس مرفوعا : ( كَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَسْمَعُوا الْقُرْآن حِينَ يَتْلوهُ الله
عَلَيْهِمْ في الجَنَّةِ ) .
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4158) .
- ورواه الرافعي في "تاريخه" (2/403) عن أبي هريرة مرفوعا ولفظه : ( كأن الخلق لم
يسمعوا القرآن حين يسمعونه من الرحمن يتلوه عليهم ) .
أورده الألباني في "الضعيفة" (3282) وقال : " منكر " .
- وروى عبد الله بن أحمد في "السنة" (1/ 147) من طريق مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، قَالَ : " كَأَنَّ النَّاسَ إِذَا
سَمِعُوا الْقُرْآنَ ، مِنْ فِي الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ " وهذا مع كونه مقطوعا من قول محمد
بن كعب فإسناده ضعيف لضعف ابن عبيدة .
والحاصل :
أن السماع المذكور لم يثبت فيه شيء من الخبر عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، ومثل
هذا من أمور الغيب التي لا يقال فيها بالرأي والاجتهاد .
والله أعلم .