الحمد لله.
أولا :
ذكر هذا الحديث الإمام الذهبي رحمه الله في "ميزان الاعتدال" (2/ 104) في ترجمة زيد بن عبد الله بن مسعود الهاشمي، فقال :
" اتهم بوضع أربعين في الآداب قاله النباتي .
قلت - يعني الذهبي - : هو أبو الخير بن رفاعة ، لا صبحه الله بخير.
سمع منه تلك الأربعين الباطلة : أبو الفتح سلم بن أيوب الرازي بالرى بعد الأربعمائة .
وروى أبو الموفق محمد بن محمد النيسابوري عن زيد بن عبد الله بن محمد الزاهد شيخ البلوطيين، حدثنا إبراهيم بن حاتم التسترى ، حدثنا علي بن الحسين بن إسحاق ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، عن الثوري، عن ليث ، عن مجاهد ، عن سلمان ، قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأربعين حديثاً، فقال: ( من حفظها على أمتى دخل الجنة، وحشر مع الأنبياء والعلماء ) ، فقلت: يا رسول الله، أي الأحاديث هي؟ قال: ( أن تؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين والبعث والحساب والموقف والشفاعة والقدر والوتر كل ليلة، ولا تعق والديك ... إلى أن قال: ولا تقل للقصير يا قصير، وسرد ما بقى.
وهذا كذب " انتهى كلام الذهبي .
وتابعه الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (2/ 508) .
وقد رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (43/ 145) من طريق إبراهيم بن حاتم بن مهدي البلوطي نا علي بن الحسين بن إسحاق نا أبي نا أبي (كذا) نا محمد بن إبراهيم الشامي عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري به مختصرا .
ومحمد بن إبراهيم الشامي هذا متهم ، قال ابن عدي : منكر الحديث وعامة أحاديثه غير محفوظة ، وقال الدارقطني : كذاب ، وقال أبو نعيم : روى عن الوليد بن مسلم ، وشعيب بن إسحاق ، وبقية وسويد بن عبد العزيز موضوعات ، وقال ابن حبان يضع الحديث ، لا تحل الرواية عنه إلا عند الاعتبار ، وقال الحاكم والنقاش: روى أحاديث موضوعة .
"تهذيب التهذيب" (9/ 14) .
ورواه أبو القاسم القزويني في "التدوين في أخبار قزوين" (3/375) من طريقين عن سَعْد بْن سَعِيدٍ الْجُرْجَانِيّ عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الأَرْبَعِينَ حَدِيثًا الَّتِي قَالَ: ( مَنْ حَفِظَهَا مِنْ أُمَّتِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ) ، فَقُلْتُ وَمَا هيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : ( أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... ) الحديث . وزاد في آخره :
قَالَ سَلْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ثَوَابُ مَنْ حَفِظَ هَذِهِ الأَرْبَعِينَ؟ قَالَ : ( حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
وهذا إسناد واه ، سعد بن سعيد الجرجاني كان رجلا صالحا أدركته غفلة الصالحين فحدث عن الثقات بما ليس من حديثهم ، قال ابن عدي : حدث عن الثَّوْريّ وعن غيره ما لاَ يُتَابَعُ عَليه.
ثم ذكر له بعض ما تفرد به، ثم قال :
" وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا لسعد بْن سَعِيد عن الثَّوْريّ وعن غيره مما ينفرد فيها سعد عنهم ، وقد صحب سعد الثَّوْريّ بجرجان في بلده ، روى عنه غرائب ، وسأله عن مسائل كثيرة ، ولسعد غير ما ذكرت من الحديث غرائب وأفراد غريبة ، وكان رجلا صالحا ، ولم تؤت أحاديثه التي لم يتابع عليها من تعمد منه فيها أو ضعف في نفسه ورواياته ، إلاَّ لغفلة كانت تدخل عليه ، وهكذا الصالحون.
ولم أر للمتقدمين فيه كلاما ، كانوا غافلين عنه ، وَهو من أهل بلدنا ، ونحن أعرف به " انتهى من " الكامل " (4/ 396-398) ، وينظر: " مختصر الكامل " ، للمقريزي (382) .
وذكره أبو نعيم في رجال يعدل عن تفردهم وقلة إتقانهم .
"لسان الميزان" (3/ 16) .
وذكر له الذهبي حديثا عن الثوري ثم قال :
" فهذا موضوع على سفيان " انتهى من "ميزان الاعتدال" (2/ 121) .
فهذا إسناد واه ، لتفرد هذا الشيخ به عن الثوري ، وأين كان أصحاب الثوري الثقات الملازمون له عن هذا الحديث الجليل ، حتى ينفرد به من يروي الموضوعات عن الأثبات ؟
وقد كان كثير من الصالحين يخلط في روايته ، فربما سمع الموعظة من الشيخ فجعلها - توهما - حديثا مسندا ، وقد روى الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة الصحيح (1/17) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ : " لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ " قَالَ مُسْلِم : " يَقُولُ : يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى لِسَانِهِمْ ، وَلَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ " .
والخلاصة : أن هذا الحديث باطل كما قال الذهبي رحمه الله ، فلا تجوز روايته فضلا عن الاحتجاج به .
ثانيا :
عليك بنصح إخوانك وإخبارهم أنك سألت عن هذا الحديث فوجدته حديثا موضوعا ، لا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو القائل : ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ) رواه مسلم في مقدمة الصحيح (1/7) ، قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ ، وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ ، فَرَوَاهُ : كَانَ كَاذِبًا , وَكَيْف لَا يَكُون كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ ؟ " انتهى .
وليعلم أن الكذب مذموم كله ، لا يصلح في جد ولا هزل ، فكيف بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وفيما صح عنه صلى الله عليه وسلم غنية عما لم يصح.
وليكن نصحك إياهم برفق وحكمة .
ولمعرفة موقف المسلم من الأحاديث الضعيفة راجع جواب السؤال رقم : (130210) ، (180529) .
والله تعالى أعلم .