الحمد لله.
أولا :
روى ابن إسحاق في السيرة - كما في "سيرة ابن هشام" (1/ 649) ومن طريقه الطبري في
"تاريخه" (2/465) : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَخُو بَنِي
عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَنْزِعْ
ثَنِيَّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَيَدْلَعُ لِسَانَهُ، فَلَا يَقُومُ عَلَيْكَ
خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ أَبَدًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا أُمَثِّلُ بِهِ فَيُمَثِّلُ اللَّهُ بِي ، وَإِنْ كُنْتُ
نَبِيًّا) .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: ( إنَّهُ عَسَى أَنْ
يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمُّهُ ) .
وهذا إسناد ضعيف ، محمد بن عمرو بن عطاء من صغار التابعين ، وقال ابن كثير رحمه
الله : " وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ ، بَلْ مُعْضَلٌ " انتهى من "البداية والنهاية"
(5/202) .
ورواه الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" - كما في "نصب الراية" (3/ 120) :
حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ الْهَيْثَمِ ، مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: لَمَّا أُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ بَدْرٍ،
قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْزِعْ ثَنِيَّتَهُ يُدْلَعُ لِسَانُهُ، فَلَا
يقوم عليك خطيباً أَبَدًا . وذكر الحديث بنحوه .
وهذا إسناد واه جدا ، فمع إعضاله ، فإن راويه الواقدي - وهو محمد بن عمر بن واقد -
متهم بالكذب ، قال الإمام أحمد : هو كذاب ، يقلب الأحاديث .
وقال ابن معين: ليس بثقة.
وقال - مرة : لا يكتب حديثه .
وقال البخاري وأبو حاتم: متروك .
وقال أبو حاتم أيضا والنسائي: يضع الحديث .
وقال ابن عدى: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه .
وقال ابن المديني : الواقدي يضع الحديث .
ينظر: "ميزان الاعتدال" (3 /663) .
وقال النسائي : " الكذابون المعروفون بوضع الحديث أربعة : إبراهيم بن أبي يحيى
بالمدينة والواقدي ببغداد ومقاتل بخراسان ومحمد بن سعيد بالشام" انتهى من "تهذيب
التهذيب" (9 /163) .
ورواه الحاكم في "المستدرك" (5228) من طريق سُفْيَان، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ
بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيَّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فَلَا
يَقُومُ خَطِيبًا فِي قَوْمِهِ أَبَدًا.
فَقَالَ: (دَعْهُ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسُرُّكَ يَوْمًا) .
قَالَ سُفْيَانُ: فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَفَرَ أَهْلُ مَكَّةَ، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عِنْدَ الْكَعْبَةِ،
فَقَالَ: مَنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَهَهُ فَإِنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَاللَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ .
وهذا مرسل أيضا ، الحسن بن محمد هو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من صغار
التابعين .
فهذا الخبر لا يصح .
ثانيا :
لا علاقة بين هذا الخبر وبين حد السرقة الذي شرعه الله عز وجل ردعاً للظالمين ،
وتنكيلاً بالمفسدين ، وطهرةً للمذنبين ، وحمايةً لأموال الناس .
فيقال : على فرض صحة الخبر ، فإن عمر رضي الله عنه إنما أراد تعزير سهيل بن عمرو
وتأديبه ، وكان قد أسره المسلمون ، لأنه كان يؤلب الكفار على رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز أن تنزع ثنيتيه ، فإن فِعْل ذلك من
التمثيل به ، والتمثيل لا يجوز في مثل ذلك ، وبين له أنه لو فعل به ذلك لمثل الله
به يوم القيامة ؛ لأن الجزاء من جنس العمل ، ولا بد من العدل في العقاب ، قال تعالى
: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ
صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/ 126 ، ولكن يُستأنى به فلعل الله
أن يتوب عليه .
وقد أسلم سهيل بن عمرو رضي الله عنه فعلا بعد ذلك وحسن إسلامه .
انظر : "الإصابة" (3/177-178) .
وروى الإمام أحمد (5674) عن ابن عمر قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( اللهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا، اللهُمَّ الْعَنِ
الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، اللهُمَّ الْعَنْ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، اللهُمَّ
الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ ).
قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ
يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ، فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) آل عمران/ 128
قَالَ: فَتِيبَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ .
وصححه محققو المسند .
وأما حد السرقة فهذا حد من حدود الله ، شرعه الله لحكم جليلة ، ولا مدخل فيه للقياس
، فلا يقال مثلا : كما قطع يد السارق ، ينبغي أن يقطع عضو الزاني ، أو لسان القاذف
والساب ، أو نحو ذلك ؛ فمثل هذا الباب : هو شرع مقدر ، لا مدخل للقياس ولا للتنظير
فيه ، إنما فيه التسليم لأمر الله وشرعه ؛ وقد قال الله تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ
لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65 ،
وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) الأحزاب/36 .
راجع إجابة السؤال رقم (118687) والسؤال
رقم (14238).
والله أعلم .