وهل الذي يسب الدين اعتقادا وعمدا كالذي يسب الدين كعادة جرت على لسانه سواء عمدا أم ساهيا ؟
الحمد لله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " إن سب الله أو سب رسوله كفرٌ ، ظاهراً وباطناً ، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلا له ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء ، وسائر أهل السنَّة القائلين بأن الإيمان قول وعمل " انتهى من " الصارم المسلول " (ص512 ) .
وقال أيضا : " وبالجملة :
فمن قال أو فعل ما هو كفر : كفر بذلك ، وإن لم يقصد أن يكون كافرا ؛ إذ لا يقصد
الكفر أحد إلا ما شاء الله " .
انتهى من "الصارم المسلول" (ص 184) .
ويراجع جواب السؤال رقم : (91408) .
فمن سب الدين قاصدا متعمدا
لذلك ، أو جرت به عادته : فهما في الحكم سواء ، ومن اعتاد سب الدين فصار يجري على
لسانه عن قصد ودون قصد ، عامدا وساهيا أشد كفرا ؛ لأنه اتخذ من الكفر عادة .
يراجع للاستزادة جواب السؤال رقم : (7057)
، (149118) ، (65551)
.
ثانياً :
من سب "دين الإسلام" وجب عليه أن يتدارك نفسه بالتوبة إلى الله ، والتوبة من هذا
تكون بنطق الشهادتين ، والندم على ما صدر منه ، والعزم على عدم العودة إليه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " فإذا تاب الإنسان من أي ذنب - ولو كان ذلك سب الدين - : فإن توبته تقبل
إذا استوفت الشروط التي ذكرناها " .
انتهى ملخصا من " فتاوى نور على الدرب ".
وينظر جواب السؤال رقم : (42505) .
وإن كان سبه للدين علانية ،
فيستحب أن يظهر التوبة أمام الناس ، ويعلن رجوعه إلى الله ويعترف بجرمه ؛ حتى يعلم
الناس توبته ، ولا يتجرأ أحد على ما تجرأ عليه ، فإن تاب فيما بينه وبين ربه توبة
نصوحا : قبلت منه ، ولا يلزمه إعلانها أمام الناس.
ثالثاً:
من المهم في هذا المقام
التفريق بين سب " دين الإسلام" ، وسب " دين الشخص " ، فالأول كفر بلا خلاف .
وأما الثاني ، وهو سب " دين الإنسان " فمحتمل ، لأن الساب قد يقصد بهذا القول دين
الإسلام ، فيكون كافراً ، وقد يقصد به : حال الشخص المعين ، وطريقته في التدين ،
وما هو عليه من الخُلق ونحو ذلك ، وقد لا يقصد شيئا من ذلك أصلا ، وإنما هي كلمة
ووصلة في كلام الجهال والسفهاء ، يتوصلون بها لتحقيق السب ، وتأكيده فلا يكفر الساب
بشيء من ذلك .
وهذه حال كثير من العامة في البلدان ، أو أكثرهم .
جاء في " فتاوى البرزلي ": "
نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَزْدَرِي الصَّلَاةَ وَرُبَّمَا
ازْدَرَى الْمُصَلِّينَ ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ مَلَأٌ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ...
فَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الِازْدِرَاءِ بِالْمُصَلِّينَ لِقِلَّةِ اعْتِقَادِهِ
فِيهِمْ : فَهُوَ مِنْ سِبَابِ الْمُسْلِمِ ، فَيَلْزَمُهُ الْأَدَبُ عَلَى قَدْرِ
اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ ، وَمَنْ يَحْمِلْهُ عَلَى ازْدِرَاءِ الْعِبَادَةِ ،
فَالْأَصْوَبُ أَنَّهُ رِدَّةٌ ا هـ .
قال شيخ المالكية في وقته : "الشيخ عليش " معلقاً : " قُلْت : يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا
: الْحُكْمُ فِيمَنْ سَبَّ الدِّينَ ، أَوْ الْمِلَّةَ ، أَوْ الْمَذْهَبَ ، وَهُوَ
يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ بَعْضِ سَفِلَةِ الْعَوَّام كَالْحَمَّارَةِ وَالْجَمَّالَةِ
وَالْخَدَّامِينَ ، وَرُبَّمَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِهِمْ .
وَذَلِكَ أَنَّهُ : إنْ قَصَدَ الشَّرِيعَةَ الْمُطَهَّرَةَ ، وَالْأَحْكَامَ
الَّتِي شَرَّعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله
عليه وسلم : فَهُوَ كَافِرٌ قَطْعًا .
ثُمَّ إنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا
قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ يُقْتَلُ وَلَوْ تَابَ .
وَإِنْ قَصَدَ حَالَةَ شَخْصٍ وَتَدَيُّنَهُ : فَهُوَ سَبُّ الْمُسْلِمِ ؛ فَفِيهِ
الْأَدَبُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ .
وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَصْدَيْنِ : بِالْإِقْرَارِ ، وَالْقَرَائِنِ .
وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْقَصْدَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ فِي الْحُكْمِ " .
انتهى من " فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك" (5/252) .
وقد سألنا الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى عن هذه المسألة ، وعرضنا عليه كلام الشيخ عليش المالكي ، فأقره ، وقال بهذا التفصيل .
والله أعلم .