زنى بامرأة وهو يحاول دعوتها للإسلام فحملت منه ، فنفرت منه وأصرت على الابتعاد عنه
أحاول مساعدة إحدى النساء في اعتناق الإسلام ، وهي لم يكن لها أي ديانة من قبل ، وقد وافقت على أن تتزوج مني ، ولكن أثناء هذا الوقت حدث بيننا جماع جنسي بدون زواج ، ثم بعد مرور بعض الوقت اختلفت معي ، والله أعلم لماذا فعلت هذا ، ثم تبت بعد ذلك كثيراً ، أسأل الله أن يغفر لي خطاياي ، وحاولت أن أصلي الاستخارة ، وأثناء هذه الفترة جاءتها الأخبار بأنها حامل ، فقلت لها : بأن هذه علامة على زواجنا ، ولم تصدقني ، فبدلاً من هذا صارت غاضبة في ضيق ؛ لأنها صارت حاملا ، وفيما بعد أخبرتني بأنها ستتخلص من هذا الطفل ، ولم نتزوج ، والآن مر ستة أشهر وهي تحمل الطفل ، وترغب في إنزاله في هذه الأثناء ، ولقد أرسلت إليها عدة مرات بغرض طلب الزواج ولكنها لم تقبل . وأنا أرغب في استبقاء الطفل ، وأيضاً إرجاعها ، ولكنها لا توافق .
فما الواجب علي فعله حتى أستطيع إستبقاء الطفل ؟
وأنا أعرف أننا حتى لو تزوجنا فهذا الطفل ليس طفلاً شرعياً ، علاوة على ذلك فأنا أود أن أعرف ما الواجب علي فعله ؟
لأنني أود أن أتحمل مسؤوليتي تجاه الطفل وتجاهها لو كان ذلك جائزاً .
لذا هل أنا سأفقد الطفل ؟
وهل لو ولد هذا الطفل سيحمل اسمي ؟
وهل من الجائز لي رعايته ؟
الجواب
الحمد لله.
نعتقد أن كل من قرأ السؤال لا بد أن يأخذ العظة والعبرة من تفاصيله ، ويجتهد في
بلاغها للناس كي يصونوا أنفسهم ومجتمعاتهم عن مثل هذه المزالق ، كيف أن الطريق
الخاطئ لا بد أن يؤدي إلى النتيجة الخاطئة أيضا ، ولو كان المقصد شريفا ونبيلا ؛
فالمقاصد لا تكفي لتصحيح الأعمال ، بل لا بد أن يكون العمل أيضا سليما من الفساد
والإفساد . كما قال ابن الجوزي رحمه الله : " نعوذ بالله من الإقبال عَلَى العمل
بغير مقتضى العلم والعقل " ينظر " تلبيس إبليس " (ص277) .
وهكذا نقرأ ما ورد في السؤال بلغة الأسى والألم ، كيف تتمكن النفس الأمارة بالسوء
من استغلال فتاة راغبة في الإسلام ، مقبلة على الهداية والقرآن ، ليوقعها في سعار
الشهوة والمتعة المحرمة ، فتنقلب رغبة الهداية نقمة وغضبا ونفورا ، ويستبدل ظلام
المعصية بنور الهداية ، فلا يبقى في قلب العاصي أي وهج أو أي ضياء ، بل تحبسه
معصيته في وحلها ، ولا يكاد يغسل ما أصاب قلبه من أدران إلا بعد حين من التوبة
الصادقة ، وكثرة الاستغفار ، واللجوء إلى الله تعالى بالذل والتضرع بين يديه ، كي
يعفو ويصفح ، ويغفر ويحلم ، ويعين النفس على طاعة ربها من جديد ، لتجتاز مرحلة
قاتمة سوداء ، سودتها المعصية ابتداء بإقامة العلاقة مع الأجنبية ، وسودتها المعصية
انتهاء بالزنا الكامل . ينظر الفتوى رقم: (11195)
.
والآن وقد طرقت باب التوبة والإنابة إلى الله سبحانه ، لا بد أن تتعرف إلى مقاطع
شرعية مهمة في قضيتك ، نعرضها لك في الفقرات الآتية :
أولا :
لا يحل للمسلم الزواج من أهل الديانات الأخرى سوى أهل الكتاب من اليهود والنصارى
ومن ألحقه العلماء بهم . أما الفتاة التي لا تنتمي إلى دين أصلا ولو اسما ورسما :
فلا يحل الزواج بها ، فقد قال الله عز وجل : ( وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ
حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ
أَعْجَبَتْكُمْ ) البقرة/221. ولم يرد إلا استثناء أهل الكتاب من عموم لفظ (
المشركات ).
يقول ابن قدامة رحمه الله :
" سائر الكفار غير أهل الكتاب - كمن عبد ما استحسن من الأصنام والأحجار والشجر
والحيوان - فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم " انتهى من " المغني "
(7/131) .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (2851)
.
ثانيا :
ثم إن نسبة الولد الناتج عن الزنا ( بغير المتزوجة ) إلى الزاني من المسائل
الإشكالية أيضا ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ
عَاهَرَ بِهَا ، فَإِنَّهُ لَا يُلْحَقُ وَلَا يَرِثُ ) الحديث مختصرا . رواه
أبوداود في " السنن " (2265) وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سبق التوسع في المسألة في الفتوى رقم : (33591)
، (175523) .
ثالثا :
أما من حيث الرعاية فلا حرج عليك في الإنفاق على الولد الناتج عن الزنا إذا رغبت
بذلك ، على أن يتم ذلك عن بعد ، بإرسال المال عبر حساب بنكي مثلا ، من غير تواصل مع
تلك الفتاة ولا مقابلة لها ، كي لا تتجدد المعصية ويدخل الشيطان بينكما بالغواية
والإفساد .
رابعا :
لا يجوز لك الاستمرار في محاولات إقناعها بالزواج ، وقد نفر قلبها وضاقت نفسها بسبب
تلك المعصية ، كما لا يجوز الاستدلال بالاستخارة ووقوع الحمل على أفضلية هذا الزواج
، ونحن نرى ذلك استمرارا في الإغواء وتلبيسا على عقل تلك الفتاة . فالزواج الشرعي
المرغوب عند الله تعالى لا يكونُ حملُ السفاح والحرام علامةً عليه ، وإرشادًا إليه
، بل إنما يبدأ بطاعة الله سبحانه ، والالتزام بشرعه وأمره .
فنصيحتنا لك أن تتوقف عن محاولات الإقناع ، بل يجب عليك أن تتوقف عن جميع أشكال
التواصل معها ، إذ لا سبيل لك عليها إذا تبين أنها ليست يهودية ولا نصرانية ، وإن
تبين أنها من إحدى هاتين الديانتين فلا سبيل لك عليها بحكم رفضها وقناعتها بفشل
مشروع الزواج بعد إفساده بالزنا .
نسأل الله تعالى لنا ولك العفو والعافية .
والله أعلم .