شروط الإبراد في صلاة الظهر
أفتونا يرحمكم الله في بدعة ابتدعناها بحجة إحياء السنة ( سنة التبريد صيفا ) وهي كالتالي :
يغلق المسجد صباحا حوالي الساعة السادسة . ويؤذن للظهر عند الساعة الواحدة ويبقى المسجد مغلقا ، ثم تقام صلاة الظهر على الساعة الرابعة ( بعد ثلاث ساعات
من الأذان ) .
ونحيطكم علما أن في كل حي في مدينتنا مسجد لا يبعد بعيد المصلين عنه أكثر
من 200 متر ، والمساجد مجهزة بوسائل تبريد حديثة جدا . ولا تتعدى درجات الحرارة في أغلب الأوقات 34 درجة ، ونحن البلدة الوحيدة المبتدعة في كامل الولاية ، مع تذمر أغلب المصلين المواظبين على الصلاة دوما .
السؤال : هل يجوز هذا التبريد مع ذكر هذه المواصفات ؟
الجواب
الحمد لله.
الأصل المستحب المتفق عليه في صلاة الظهر هو تعجيلها وصلاتها أول وقتها ، فعن أُمِّ
سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلظُّهْرِ مِنْكُمْ ) رواه الترمذي (161) ، وصححه
الألباني في " صحيح الترمذي " ، وروى أيضا في " السنن " (155) وقال حديث حسن ، عَنْ
عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشَدَّ
تَعْجِيلًا لِلظُّهْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَلَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَلَا مِنْ عُمَرَ ) قال الترمذي رحمه الله : " وهو الذي
اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم "
فالأصل بالمسلمين المتبعين سنة النبي صلى الله عليه وسلم الاقتداء به في هديه
الغالب ، وبهدي الخلفاء الراشدين من بعده ، واجتناب كل ما يحدث الفتنة والمنازعة ،
واجتناب كل شذوذ أو مخالفة للهدي الظاهر للمسلمين . فلا يكون الحماس لتطبيق السنة
الظرفية " الإبراد " سببا في ضياع السنة الأصلية التي حافظ عليها النبي صلى الله
عليه وسلم في حياته ، رغم ما تتسم به الجزيرة العربية عامة ، والمدينة المنورة خاصة
من حَرٍّ ظاهرٍ في غالب أيام السنة ، ولكنه مع ذلك عليه الصلاة والسلام لم يأمر
بالإبراد إلا في " شدة الحر "، فقال عليه الصلاة والسلام : ( إِذَا اشْتَدَّ
الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ
جَهَنَّمَ ) رواه البخاري (533) ، ومسلم (615).
وقد اعتاد عليه الصلاة والسلام أداء الظهر أول الوقت كما سبق في حديث أم سلمة وحديث
عائشة ، وذلك يعني أن " شدة الحر " في العرف النبوي لا يكاد يقع إلا في نوادر
الأيام التي ترتفع فيها الحرارة إلى القدر غير المحتمل ، ونظن أن ذلك : هو ما نقدره
نحن اليوم بما يقترب من الخمسة وأربعين درجة مئوية فأكثر ، فمعدل درجة الحرارة في
المدينة في الصيف يبقى في فلك بداية الأربعين بحسب التقارير التي تنشرها الرئاسة
العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية . وقد ورد في موقع " أمانة منطقة المدينة
المنورة " قولهم : " يتميز بدرجات حرارة عالية تتراوح بين (28 - 42) درجة مئوية في
الصيف وبين (11-24) درجة مئوية في الشتاء ، وتمثل أشهر يونيو ويوليو وأغسطس أعلى
درجات حرارة في العام ، حيث تبلغ درجة الحرارة العظمى خلال هذه الأشهر حوالي (41.8)
درجة مئوية ". كما جاء في " أطلس المدينة المنورة " إعداد الدكتور محمد شوقي: "
يرتفع المتوسط الشهري للحرارة العظمى في الفترة ما بين يونيو وسبتمبر ، حيث تزيد
الحرارة على أربعين مئوية خلال هذه الفترة ".
http://www.amana-md.gov.sa/AboutMadinah/MadinahGeographic/pages/Home.aspx
وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون الظهر في أول وقتها في
غالب أيام الصيف ، رغم ارتفاع الحرارة فيها إلى نحو الأربعين ، فمن يبحث عن تطبيق
سنة " الإبراد " ينبغي عليه أن يبحث قبل ذلك عن تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم
الدائمة في صلاة الظهر ، ويعلم الظرف الذي رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالإبراد
فيه ، كي لا يضيع السنة من حيث يريدها ، ولا يقع في البدعة وهو يرجو اجتنابها.
والسبب في ذلك كله الجهل والعجلة وطلب الشهرة والتميز ، وقد ترك النبي صلى الله
عليه وسلم بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خشية أن يكون ذلك سببا في الفتنة
والاضطراب ، فكيف بمن يخالف السنة ليوقع الناس في الفتنة ! ويستحدث المشاكل في
مساجد المسلمين !
ولو تأمل هذا في هدي علماء الإسلام في الأقطار الإسلامية وفي بلاد الحرمين الشريفين
لعرف أنه يشذ بذلك التصرف عن جميع العلماء ، فالإبراد لا يطبق في ظرف حرارة لا
تتجاوز الـ (34) ، كما لا يطبق بقرار ينفرد فيه إمام مسجد يخالف فيه الوزارة
المعنية بشؤون المساجد ، ويشذ به عن أهل العلم المعتبرين في بلده وفي البلاد
الإسلامية الأخرى ، وما ذلك إلا من غريب ما يقع فيه بعض شباب المسلمين الذين لا
يحسنون معاملة الخلق ودعوتهم بالحسنى ، ولا يحسنون فهم شريعة الخالق جل وعلا .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (6/ 120):
" الأفضل الإبراد بالظهر عند شدة الحر فقط ، وفيما عدا ذلك تبقى على الأصل ، فخير
لكم أن تهتدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتؤخروا الأذان في شدة الحر إلى
الإبراد ، وتعجلوا به أول الوقت في غير ذلك ؛ حرصا على الفضيلة وكثرة الأجر ،
وتخفيفا على الناس ، وعلى تقدير وقوع الأذان أول الوقت في شدة الحر : فعلى الجميع
أن يبادروا إلى الجماعة ، ويحرصوا على الصلاة مجتمعين ، ولا تفرقوا ، فإن الجماعة
واجبة ، والفرقة محرمة ، فلا يرتكب ذلك من أجل الحرص على فضيلة الإبراد ( ولا
تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )" .
عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن غديان – عبد الله بن قعود .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا لم يكن في شدة الحر : فإن الأفضل أن يصلى صلاة الظهر إذا دخل وقتها ، ولو
كانت قصراً في السفر ؛ لأن تقديم صلاة الظهر في غير شدة الحر أفضل " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (8/2، بترقيم الشاملة آليا) .
ويقول العلامة ابن جبرين رحمه الله :
" في هذه الأزمنة لا يوجد ذلك الحر والحمد لله ؛ وذلك لوجود المكيفات والمراوح
الكهربائية التي تخفف من شدة الحر ، فلا يحس الناس بذلك المزعج الذي يتصبب منه
العرق ، والذي تبتل منه الثياب ، فلا يطمئن المصلي في صلاته ؛ فلأجل ذلك لم يروا
داعياً إلى الإبراد في شدة الحر . لكن لو كان هناك بلاد ليس فيها هذه المكيفات
ونحوها ، فإن الإبراد مستحب في حقهم ، وما ذاك إلا أن الحكم يدور مع علته ، فمتى
وجدت العلة وجد الحكم ، أما في سائر السنة التي ليس فيها حر : فإن وقت الصلاة إذا
زالت الشمس ، فإذا ابتدأت زيادة الظل في جهة الشرق فذلك وقت الظهر "انتهى من " شرح
عمدة الأحكام " (8/ 10، بترقيم الشاملة آليا) .
ويقول أيضا رحمه الله :
" كانوا يصلون في المسجد ، وقد تكون دورهم بعيدة ، قد يكون بين بعضهم وبين المسجد
نحو أكثر من كيلو ، وكانوا يأتون على أرجلهم مع شدة الحر وشدة الرمضاء ، والمسجد
أيضاً ليس فيه مكيفات ، وليس فيه مراوح كهربائية ، بل فيه حر شديد وعرق ؛ فهم عند
أدائهم للصلاة قد يلاقون هذا الحر الشديد ، فلا يقبلون على صلاتهم ، ولا يطمئنون
فيها، ويتمنون أن ينصرفوا ؛ لما يجدون من التعب ومن المشقة ، فلهذا الغرض أمرهم بأن
يبردوا بالصلاة " .
انتهى من " شرح عمدة الأحكام " (18/ 5، بترقيم الشاملة آليا) .
وقد نظر بعض الفقهاء من قبل في العلة ، أو الحكمة ، من تشريع الإبراد في الصلاة ،
فخصصوا هذه الرخصة بالظروف التي تتوافر فيها العلة ، وتتحقق بها الحكمة ، فقالوا :
" الأصح : اختصاص الإبراد ببلد حار ، كالحجاز ، وجماعة مسجد يقصدونه من بُعْد ،
ويمشون إليه في الشمس ؛ فلا يسن الإبراد في غير شدة الحر ، ولو بقطر حار ، ولا في
قطر معتدل أو بارد ، وإن اتفق فيه شدة الحر ، ولا لمن يصلي منفردا ، أو جماعة ببيته
، أو بمحل حضره جماعة لا يأتيهم غيرهم ، أو يأتيهم غيرهم من قرب ، أو : بُعد لكن
يجد ظلا يمشي فيه ، إذ ليس في ذلك كبير مشقة .
نعم ؛ الإمام الحاضر في المسجد الذي يقصده الجماعة من بعد يسن له الإبراد ، اقتداء
به صلى الله عليه وسلم .
وضابط البعد : ما يتأثر قاصده بالشمس " انتهى من " مغني المحتاج " (1/306) .
فهذا ما يقوله العلماء المتقدمون والمتأخرون ، وهذا ما ثبت من هدي النبي صلى الله
عليه وسلم ، فأي هدي يتبعه أولئك المتنطعون الذين يجعلون الرخصة - المؤقتة والمقيدة
بظرف - سنةً دائمة ، دون مراعاة الأدلة الشرعية .
وللمزيد ينظر : (39818)
.
والله أعلم .