الحمد لله.
أولاً :
ينبغي أن يحرص المسلم على حضور مجالس العلم المنعقدة في المسجد ؛ لما ورد في ذلك من الفضل ، ولما فيه من تعلم المسلم أحكام دينه التي يحتاج إليها ، حتى يعبد الله على بصيرة .
وقد روى مسلم (2700) عن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " قال أهل العلم : حلق الذكر هي المجالس التي يتلى فيها كتاب الله وأحاديث رسوله عليه السلام ويبين فيها ما أحل الله لعباده وما حرمه عليهم وما يتصل بذلك من تفاصيل أحكام الشريعة وبيان أنواعها ومتعلقاتها " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (3/251).
فإذا انعقد مجلس من مجالس العلم في المسجد استحب لمن في المسجد أن يقبلوا عليه ؛ لأن (فضل العلم خير من فضل العبادة) ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه الطبراني في الأوسط (3960) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (68).
فطلب العلم وحضور مجلس العلم أفضل من قراءة القرآن ، وبهذا يجاب عن قول القائل : إنه يقرأ القرآن والإسلام هو القرآن ، فيقال له : طلب العلم أفضل من قراءة القرآن ، ثم إن درس العلم لن يخرج عن القرآن الكريم ، لأنه يبين ما في القرآن من أحكام ومواعظ وفوائد .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " طلب العلم أفضل من العبادة، وأقول هذا تبعاً لقول السائل، وإلا فإن طلب العلم عبادة ومن أفضل العبادات، حتى قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته.
فهو أفضل من السنن الراتبة، وأفضل من الوتر، وأفضل من قيام الليل، قال الإمام أحمد: تذاكر ليلة - يعني في طلب العلم- أحب إلي من إحيائها.
فطلب العلم نفسه عبادة، فقولنا: الأفضل العبادة أو طلب العلم ؟ غير صحيح؛ لأن طلب العلم عبادة، صحيح أنه يراد بمثل هذا السؤال طلب العلم والعبادة القاصرة كالصلاة والقراءة فنقول: طلب العلم أفضل، بل إن طلب العلم أفضل من قتال العدو في من ليس أهلاً للقتال " انتهى من
"اللقاء الشهري" (41/ 22) بترقيم الشاملة .
ومجلس العلم سيفوت بانتهائه ، أما قراءة القرآن فيستطيع المسلم أن يقرأ القرآن في أي وقت وفي أي مكان .
ثانياً :
ومع فضل حضور مجلس العلم إلا أن حضور هذه المجالس ليس بواجب ، فمن ترك مجلس العلم وانشغل بقراءة القرآن فلا حرج عليه ، ولا يمنع من ذلك انعقاد المجلس ؛ فإن كثيرا من الناس من يمكنه تلاوة القرآن ، ولا يشغله عن ذلك صوت الشيخ وهو يلقي درسه عبر الميكروفون .
فمن تنحى جانبا وانشغل بتلاوة القرآن وأمكنه ذلك دون أن يشوش عليه صوت الميكروفون فلا حرج عليه .
ومن لم يستطع فالأولى به أن يتوجه للدرس ويحضر مع الشيخ ليتعلم العلم ، ولكن لا يجب عليه ، وقد تقدم في إجابة السؤال رقم (4040) أن الإنسان يؤجر على قراءته القرآن سواء فهم معناه أم لم يفهم ، ولكن قراءته بتدبر وفهم أفضل بلا شك .
ومن ترك مجلس الدرس وانزوى جانبا فلا حرج عليه أيضا ، ولو لم ينشغل بذكر أو تلاوة أو صلاة ، وإن كان الأولى به حضور مجلس العلم .
ومن ترك المجلس وجلس يتحدث مع غيره في أمور الدنيا فحكمه حكم ما يتحدث به : إن كان حديثا محرما كالبيع والشراء في المسجد أو اللغط والكلام المحرم فهو حرام . وإن كان حديثا جائزا كالحديث عن مصلحة من مصالح الدنيا فهو جائز .
ولكن يشترط في ذلك كله عدم التشويش على المصلين أو التالين أو الدارسين .
راجع إجابة السؤال رقم (4448) والسؤال رقم (127068).
ولا بأس أن يحث بعض الحاضرين الناس على الالتفاف حول الشيخ وسماع درسه ويبين لهم أن حضور الدرس وتعلم العلم أفضل من تلاوة القرآن أو الذكر فضلا عن مجرد الجلوس أو التحدث بأمر من أمور الدنيا ، هذا إذا كان الشيخ أهلا لإلقاء الدرس وتعليم الناس العلم .
ويتأكد الجواز إذا كان المسجد كبيراً واسعاً بحيث لا يظهر أن هذا الشخص منفرد عن الجماعة ، أو مخالف لها ، كما لو كان ذلك في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو غيرهما من المساجد الكبيرة.
وقد يكون الشخص معذورا في عدم الحضور لتعب أو انشغال فيحتاج أن يجلس منفردا .
راجع للاستزادة إجابة السؤال رقم (134192).
والله أعلم .