الحمد لله.
أولا :
بداية : نحمد الله أن عافاك من كربك ، ومنّ عليك بفرجه ، أدامها الله عليك نعمة ،
كما نشكر لك حرصك على معرفة حدود الشرع ، فيما يخص لباسك كمسلمة ، نسأل الله العفاف
والستر لبناتنا وأمهاتنا ولكل نساء المسلمين .
الأخت الكريمة ،
معاشرة الناس تحتاج إلى صبر وحلم وتجاوز وذكاء اجتماعي ، وكذلك تحتاج إلى مراقبة
التصرفات ، ومراجعة النفس ، والوقوف على الأشياء التي يمكن أن تكون سببا في إثارة
المشاكل ، فربما كان في سلوك الإنسان ، أو أخلاقه ، أو معاملاته مع الناس : ما يجلب
له عداوتهم ، أو شيئا من ضغائنهم وأحقادهم عليه ؛ فليعتن اللبيب بسد باب ذلك عنه ،
وأن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به .
فإن لم يكن كذلك ، وكان ما يصيبه منهم : لونا من البغي ، أو الحسد ، أو أهواء
النفوس : فاللبيب من وقى نفسه شر الأحقاد ، والضغائن ، وعافاها من التجرد للعداوات
، والمشاحنات ؛ وليس أنفع للعبد في ذلك كله من أن يقابل إساءتهم بإحسان منه ،
وعدوانهم ، بحسن التخلق ، والصبر الجميل ؛ قال الله تعالى : (وَلَا تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )
فصلت/34-53 ، وقال تعالى : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )
الشورى/ 40 .
وروى مسلم في صحيحه (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ
اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا
رَفَعَهُ اللهُ ) .
وينظر جواب السؤال رقم : (178255)
.
ثانيا :
أما ما يتعلق باستشارتك بخصوص لباسك ، فأيضا غير واضح ،هل تقصدين أنك في مدرسة
نسوية محضة وتلبسين وتتزينين تحت عباءتك ونقابك ؟ أم إن ذلك لباسك من غير حجاب شرعي
؟
فأما إن كانت الثانية ، فاعلمي أختنا أن الله قد فرض على بنات حواء ، أن تستر
زينتها عن الرجال الأجانب ؛ لقوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا
لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ
أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ
بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ
التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ
لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ
لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31 .
والحكمة في تحريم إظهار هذه الزينة : هي صيانة المرأة والمحافظة على عفتها وكرامتها
، وسد باب الفتنة بها ، وقطع الطمع في إغوائها أو الغواية بها ، فإن أصحاب القلوب
المريضة يطمعون فيمن تظهر زينتها ، ويَنْكَفُّوُنَ – أي يبتعدون - عن صاحبة الحياء
والستر .
وينظر جواب السؤال رقم : (67897).
أما إن كنت تقصدين أنك تذهبين الى العمل في كامل حجابك ، وأن المكان نسوي محض ،
وبأنك تأمنين على نفسك هناك اطلاع الرجال على زينتك : فلا حرج عليك في إظهار مثل
ذلك للنساء خاصة ؛ هذا مع أننا لا نحبذ مثل ذلك في أماكن العمل ، بل في المجتمعات
النسائية المفتوحة ، التي يمكن أن يكون فيها المحب والمبغض ، والصديق والعدو ، ومن
تتقي الله ، ومن لا تبالي ، فمنهن من يسترسلن في نقل الحديث والوصف ، ومنهن من تصور
النساء في زينتهن ، ونحو ذلك ، وأقل ما فيه : ما ذكرت من جلب العداوات ، والشحناء
والبغضاء .
ثالثا :
المراد بلباس الشهرة : ألا يكون مألوفا في مكانك وزمانك : لبس مثل هذا اللباس ، أو
يكون قد بلغ في الغلاء والجودة ، أو في الرخص والبذاذة حدا ، يجعل الناس يشيرون إلى
صاحبه ، ويشتهر أمره بينهم بلباسه ذلك .
يقول السرخسي في "المبسوط" (30/268) :
" والمراد أن لا يلبس نهاية ما يكون من الحسن والجودة في الثياب ، على وجه يشار
إليه بالأصابع ، أو يلبس نهاية ما يكون من الثياب الخَلِقِ – القديم البالي - على
وجه يشار إليه بالأصابع , فإن أحدهما يرجع إلى الإسراف ، والآخر يرجع إلى التقتير ،
وخير الأمور أوسطها " انتهى .
وجاء في "الموسوعة الفقهية"
(6/136) :
" ويكره لبس زي مُزْرٍ بِهِ لأنه من الشهرة , فَإِن قَصَدَ به الاختيال أو إظهارَ
التواضع : حَرُمَ ، لأنه رياء" انتهى .
ولمزيد تفصيل ، يرجى الاطلاع على الرد التالي : (104257)
.
وبما ذكرنا من الضوابط يمكنك أن تحكمي على ملابسك ، وحالك في وسط زميلاتك : إن كانت
حال شهرة مذمومة ، أو هي حال مألوفة .
وننصحك بأن تحسني علاقاتك بمن حولك ، وأن تتوددي إليهن بالكلام الطيب ، والمعاملة
الحسنة ، إرضاء لربك أولا ثم تقليصا للهوة وللجفاء بينكن .
واسألي الله أن يعينك على نفسك وعلى أذى الناس لك.وأن يلهمك الصبر والحلم والعفو .
وفقك الله ويسر أمرك .
والله أعلم .