أنا موظف في شركة حكومية ، وسؤالي حول مشروعية التأمين الصحي الموجود في شركتي ، وسألخص السؤال بالنقاط التالية :
1. هو عبارة عن صندوق مالي يسمى ( صندوق الضمان الصحي ) ، تشرف عليه لجنة خاصة تقوم بصرف التعويضات للموظفين بعد تقديمهم الوصفة الطبية ، مذكورا فيها قيمة المبلغ الذي تم صرفه من قبل الموظف عند الطبيب .
2. الإيرادات المالية للصندوق لها مصدران : الأول : مساهمة الشركة في الصندوق ، وتقدر بـ (80%) من إيرادات الصندوق تقريبا ، وتخصصه من أرباح الشركة السنوية . الثاني : تكون المساهمة على شكل استقطاعات من رواتب الموظفين ، ويشكل (20%) من إيرادات الصندوق تقريبا ، حيث يستقطع مبلغ 1000 دينار ( يعادل 3 ريال تقريبا ) من راتب الموظف الأعزب ، ومبلغ 3000 دينار من الموظف المتزوج ، بعد أن يقدم طلبا إلى اللجنة المشرفة على الصندوق لتشمل عائلته بالتعويضات أيضا .
3. الاشتراك في نظام الضمان الصحي اختياري بالنسبة للموظف الأعزب والمتزوج .
4. التعويضات المصروفة للموظف تكون أكبر من قيمة الاشتراك الشهري ، وتكون التعويضات المصروفة للموظفين خلال نفس الشهر متفاوتة من ناحية الاستفادة ، فليس الجميع يمرض في نفس الشهر ، لذلك هناك قسم يستفيد من نظام التعويض ، وقسم لا يستفيد .
5. في حالة عدم استفادة الموظف من التعويضات ، فإن المبالغ المستقطعة منه لا يتم إرجاعها إليه ، سواء في نهاية السنة أو عند التقاعد .
6. المبالغ الفائضة في الصندوق نهاية السنة يتم ترحيلها إلى السنة التالية ، وتبقى داخل الصندوق ، ويتم إضافة المبلغ السنوي الجديد إليها .
7. الشركة لا تتعامل مع أي شركة أو هيئة تأمين .
فهل هذا التأمين الصحي يعتبر من النوع التعاوني ، ويجوز الاشتراك فيه ؟
الحمد لله.
أولا :
الفارق الأهم بين التأمينين ( التعاوني والتجاري ) هو أن الأقساط المقتطعة في التأمين التعاوني لا تملكها إدارة الصندوق ، بل تبقى تبرعا ينفق منها على من تنطبق عليهم الشروط ، في حين أن إدارة صناديق الضمان الصحي التجارية تتملك تلك الاشتراكات والاقتطاعات من المنتسبين ، وتدخل في حسابها الشخصي ، مقابل أن تلتزم بالعلاج لكل من تنطبق عليه الشروط ، وفرقٌ كبير بين الصورتين .
فالصورة الأولى هي التعاون والتكافل ؛ وقد جاء ما يشهد لها ـ من حيث الأصل ـ في السنة النبوية ، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ ) رواه البخاري في صحيحه (2486) ، وبوب عليه بقوله : " باب الشركة في الطعام والنهد والعروض ، وكيف قسمة ما يكال ويوزن مجازفة أو قبضة قبضة ، لما لم ير المسلمون في النهد بأسا ، أن يأكل هذا بعضا وهذا بعضا ... " .
وأما الصورة الثانية : فهي القمار والميسر الذي أجمعت المجامع الفقهية المعاصرة على تحريمه .
ثانيا :
هناك فروق جوهرية أخرى بين التأمين الصحي التعاوني الذي يجوز الاشتراك فيه ، وبين ذلك المحرم القائم على الميسر ، ولا بد من تحري هذه الفوارق قبل الفتوى في الحالة المعينة بالحل أو بالحرمة .
جاء في " المعايير الشرعية " (ص/372-373) :
" ترجع أسباب حل التأمين التكافلي وحرمة التأمين التجاري إلى الفروق الجوهرية الآتية :
(أ) أن التأمين التقليدي عقد معاوضة مالية ، يستهدف الربح من التأمين نفسه ، وتطبق عليه أحكام المعاوضات المالية التي يؤثر فيها الغرر ، وحكم التأمين التقليدي أنه محرم شرعا . وأما التأمين التكافلي فهو التزام تبرع ، ولا يؤثر فيه الغرر .
(ب) الشركة في التأمين الإسلامي [ أو صندوق التأمين في بعض الصور ، كالوارد في السؤال ] وكيلة في التعاقد عن حساب التأمين ، في حين أنها طرف أصلي في التأمين التجاري ، وتتعاقد باسمها .
(ج) الشركة في التأمين التجاري تملك الأقساط في مقابل التزامها بمبلغ التأمين ، أما الشركة في التأمين الإسلامي فلا تملك قيمة الاشتراك ؛ لأن الأقساط تصبح مملوكة لحساب التأمين .
(د) ما يتبقى من الأقساط وعوائدها – بعد المصروفات والتعويضات – يبقى ملكا لحساب حَمَلة الوثائق ، وهو الفائض الذي يوزع عليهم ، ولا يتصور هذا في التأمين التجاري ؛ لأن الأقساط تصبح ملكا للشركة بالعقد والقبض ، بل يعتبر إيرادا وربحا في التأمين التجاري .
(هـ) عوائد استثمار أصول الأقساط بعد حسم نسبة المضاربة للشركة تعود إلى حساب حملة الوثائق في التأمين الإسلامي ، وهي تعود للشركة في التأمين التجاري .
(و) يستهدف التأمين الإسلامي تحقيق التعاون بين أفراد المجتمع ، ولا يستهدف الربح من عملية التأمين ، في حين أن التأمين التجاري يستهدف الربح من التأمين نفسه .
(ز) أرباح الشركة في التأمين الإسلامي تعود إلى استثماراتها لأموالها ، وحصتها من ربح المضاربة ، حيث هي مضارب ، وحساب التأمين : ربُّ المال .
(ح) المشترك والمؤمن في التأمين الإسلامي في حقيقتهما واحد ، وإن كانا مختلفين في الاعتبار ، وهما في التأمين التجاري مختلفان تماما .
(ط) الشركة في التأمين الإسلامي ملتزمة بأحكام الشريعة ، وفتاوى هيئتها الشرعية ، وأما التأمين التجاري فليس فيه التزام بأحكام الشريعة .. " انتهى .
ونحن نعلم أن كثيرا من هذه الفوارق لا محل لها في الحديث عن الصندوق الوارد في السؤال ؛ لكننا نقلناها هنا لأجل أن يدرك القارئ الفارق الحقيقي الكبير بين التأمين التعاوني الجائز ، والتأمين التجاري المحرم ، ويقيس بعدئذ صناديق الضمان الصحي الحكومية .
ثالثا :
لإصدار فتوى دقيقة في حكم صندوقكم ، ومساعدتكم في تحقيق الضوابط الشرعية للتأمين التعاوني ، لا بد من إرسال الأوراق الرسمية الناظمة للصندوق ، وكذلك العقود التي يوقع عليها المشتركون ، ليصار إلى دراستها وبيان الحكم فيها ، وإن كنا نميل إلى أن الغالب في صندوقكم هو صورة السلامة بإذن الله ، ولكن لا ينبغي الجزم بالحكم قبل الاطلاع على نظام الصندوق الرسمي ، ونماذج الاشتراكات فيه .
وقد اشترطت " المعايير الشرعية " مجموعة من الأمور الأساسية التي يجب أن ينص عليها في النظام التأسيسي للصناديق التعاونية ، حيث جاء فيها (ص/364) :
" التأمين الإسلامي هو : اتفاق أشخاص يتعرضون لأخطار معينة على تلافي الأضرار الناشئة عن هذه الأخطار ، وذلك بدفع اشتراكات على أساس الالتزام بالتبرع ، ويتكون من ذلك صندوق تأمين له حكم الشخصية الاعتبارية ، وله ذمة مالية مستقلة ، (صندوق) يتم منه التعويض عن الأضرار التي تلحق أحد المشتركين من جراء وقوع الأخطار المؤمن منها، وذلك طبقا للوائح والوثائق ، ويتولى إدارة هذا الصندوق هيئة مختارة من حملة الوثائق ، أو تديره شركة مساهمة بأجر تقوم بإدارة أعمال التأمين واستثمار موجودات الصندوق .
وأما التأمين التقليدي فهو عقد معاوضة مالية يستهدف الربح من التأمين نفسه ، وتطبق عليه أحكام المعاوضات المالية التي يؤثر فيها الغرر، وحكم التأمين التقليدي أنه محرم شرعا.
ويقوم التأمين الإسلامي على المبادئ والأسس الشرعية الآتية ، التي يجب أن ينص عليها في النظام الأساسي للشركة أو في اللوائح أو في الوثائق :
أولا : الالتزام بالتبرع ، حيث ينص على أن المشترك يتبرع بالاشتراك وعوائده لحساب التأمين لدفع التعويضات ، وقد يلتزم بتحمل ما قد يقع من عجز حسب اللوائح المعتمدة .
ثانيا: قيام الشركة المنظمة للتأمين بإنشاء حسابين منفصلين، أحدهما خاص بالشركة نفسها، حقوقها والتزاماتها، والآخر خاص بصندوق (حملة الوثائق) حقوقهم والتزاماتهم .
ثالثا : الشركة وكيلة في إدارة حساب التأمين، ومضاربة أو وكيلة في استثمار موجودات التأمين.
رابعا: يختص حساب التأمين بموجودات التأمين وعوائد استثماراتها، كما أنه يتحمل التزاماتها.
خامسا: يجوز أن تشتمل اللوائح المعتمدة على التصرف في الفائض بما فيه المصلحة...على أن لا تستحق الشركة المديرة شيئا من ذلك الفائض.
سادسا: صرف جميع المخصصات المتعلقة بالتأمين ، والفوائض المتراكمة في وجوه الخير عند تصفية الشركة.
سابعا: أفضلية مشاركة حملة الوثائق في إدارة عمليات التأمين .
ثامنا: التزام الشركة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في كل أنشطتها واستثماراتها، وبخاصة عدم التأمين على المحرمات .
تاسعا: تعيين هيئة رقابة شرعية تكون فتاواها ملزمة للشركة ، ووجود إدارة رقابة وتدقيق شرعي" انتهى.
كل هذه الأمور ينبغي مراعاتها في الأوراق الناظمة لعمل صناديق التأمين ، خاصة تلك التي تستثمر اشتراكات المؤمنين ، لحساب صندوق التأمين ، فلا بد من تحري وجودها في مواد القانون ، أو النظام الذي يحكم عملية التأمين .
والله أعلم .