الحمد لله.
أولا :
إبدال الهمزة عَينا : لهجة لغوية قديمة تعرف بالعَنْعَنَة ، وتنسب لقبيلة تميم ،
فيقولون "عَنْت" بدلا من "أنت" و"عنّك" بدلا من "أنّك" ، و"عرنب" بدلا من "أرنب"
و"قُرعان" بدلا من "قرآن" ؛ وذلك لقرب المخرج .
قال الشاعر :
وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ** ألا يجاورنا إلاك ديار
قرئ بالإبدال ، هكذا :
وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ** علّا يجاورنا إلاك ديار
وَقَالَ جِرانُ العَوْدِ:
فَمَا أُبْنَ حَتَّى قُلْنَ يَا ليْتَ عَنَّنا ** تُرابٌ، وعَنَّ الأَرضَ بالناسِ
تُخْسَفُ
قَالَ الْفَرَّاءُ: لُغَةُ قُرَيْشٍ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ أَنَّ ، وتميمٌ وقَيْس
وأَسَدٌ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ يَجْعَلُونَ أَلف أَن إِذا كَانَتْ مَفْتُوحَةً عَيْنًا
، يَقُولُونَ: أَشهد عَنَّك رَسُولُ اللَّهِ ، فإِذا كَسَرُوا رَجَعُوا إِلى الأَلف
؛ وَفِي حَدِيثِ قَيْلةَ: " تَحْسَبُ عَنِّي نَائِمَةٌ " أَي تَحْسَبُ أَني
نَائِمَةٌ ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
حُصَين بْنِ مُشَمِّت: " أَخبرنا فُلَانٌ عَنَّ فُلَانًا حَدَّثه " أَي أَن
فُلَانًا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كأَنَّهم يفعلون لبَحَحٍ فِي أَصواتهم ،
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لأَنَّكَ ولعَنَّك، تَقُولُ ذَاكَ بِمَعْنَى لَعَلَّك. قال
ابْنُ الأَعرابي: لعنَّكَ لِبَنِي تَمِيمٍ .
"لسان العرب" (13/ 295) .
ويقول رحمه الله :
" فِي إبدالِ الهمزةِ من الْعين : قد جاءَ ذلكَ فِي بعضِ الِاسْتِعْمَال ، فالوجهُ
فِيهِ أنَّ الهمزةَ والعينَ متجاورتان فِي المخْرَج ، فَمن ذَلِك قَوْلهم فِي عُباب
أُباب ، ويجوزُ أنْ تكونَ الهمزةُ أصلا من قَوْلهم أبَّ للشَّيْء إِذا تهيّأ لَهُ
وعُبَاب الْبَحْر مُعْظَمه ، وَمعنى التهيؤ موجودٌ فِيهِ . وَقَالُوا عُفُرَّة
الْحَرِّ وأُفُرَّتُه ، والهمزةُ بدلٌ من الْعين ، ويجوزُ أنْ تكون أصلا من قَوْلهم
: أفِر يأفِر أفْراً ، وأصلُ الْكَلِمَة من الشدِّة ، والمعنيان يَجْتَمِعَانِ
فِيهَا ، ويُؤْنِّس بإبدال العينِ همزَة إبدالُ الهمزةِ عَيْناً فِي مثلِ قولِ
الشَّاعر :
أَعَنْ ترسَّمْت مِنْ خَرْقاءَ مَنْزِلةً ** ماءُ الصِّبابَةِ من عَيْنَيْكَ
مَسْجُومُ
والوجْهُ فِيهِ : أنَّ العينَ تَقْرُب من مخرج الهمزةِ ، وَهِي أبْيَنُ من الْهمزَة
ففرّوا إِلَيْهَا خُصوصاً عِنْد اجتماعِ الهمزتين " انتهى .
وينظر :
- "توضيح المقاصد بشرح ألفية ابن مالك" (1/ 359) لبدر الدين المرادي - تحقيق د. عبد
الرحمن علي سليمان .
- "اللباب في علل البناء والإعراب" ، لمحب الدين العكبري (2/ 300) .
فإبدال الهمزة عينا معروف في
لهجات العرب ، وعليه : فإطلاق " القُرعان " على " القُرآن " بهذا الاعتبار لا حرج
فيه عند من يتكلم بهذه اللهجة ، خاصة في حال كبار السن ، الذين يشق عليهم تغيير ما
اعتادوه من النطق ، فلا ينبغي التشدد معهم في مثل ذلك ، لأنه من الصعوبة بمكان
نقلهم عن لفظ اعتادوه ، حتى ولو كان بإمكانهم نطق الهمزة في جملة الكلام ، فذلك لا
يعني أنهم يسهل عليهم اعتيادها في كلمات محددة ، نطقوها بغير ذلك .
نعم ، إذا أمكن الاقتصار على
لفظ " القرآن " ، دون هذا الإبدال : فهو أولى وأحرى ؛ لمنع اللبس في الكلام ، أو
إشكال اللفظ على السامع ، أو وقوع الخلاف بين الناس ، والحرج في قلوب السامعين .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (176046)
.
والله تعالى أعلم .