الحمد لله.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/87) : " كل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها من الرضاع , وهن الأمهات , والبنات , والأخوات , والعمات , والخالات , وبنات الأخ , وبنات الأخت..؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) متفق عليه وفي رواية مسلم: ( الرضاع يحرم ما تحرم الولادة )... ولا نعلم في هذا خلافاً " انتهى.
ثانياً:
حكم المحرمية : هو خاص بالرضيع ( البنتين ) فهما اللتان صارتا بنتين لجدتك ، وأختين
لأعمامك وعماتك ، ومن ثم : هي عمة لك من الرضاعة ـ ؛ أما باقي إخوة البنتين ،
الأولى والثانية ، ذكورا وإناثا : فلا تعلق لهم بشيء من ذلك الحكم أصلا ، ولا علاقة
لهم بجدتك ، ولا بأعمامك ، ولا عماتك ؛ فجدتك ليست أما لهم ، لا من النسب ، ولا من
الرضاع ، ومن ثم ، فأعمامك وعماتك : ليسوا إخوة لهم ، ولا علاقة للأعمام والعمات
بهم أصلا ؛ إنما الحكم ـ كما سبق ـ يختص بمن ارتضع من الجدة وحده ، ومن بعده فروعه
[ أبناؤه ] ؛ دون أصوله ـ أبيه وأمه ـ ، ودون حواشيه : إخوته ، وأخواته .
وهذا اللبن الذي انتشرت به المحرمية : هو مشترك بين المرأة والرجل ، فإذا أرضعت به ، صارت أما من الرضاعة ، لمن أرضعته ، وصار زوجها ، صاحب اللبن ، أبا للرضيع من الرضاعة أيضا .
قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ
: " إذا حملت من رجل وثاب لها لبن فأرضعت به طفلاً رضاعاً محرماً , صار الطفل
المرتضع ابنا للمرضعة , بغير خلاف , وصار أيضاً ابنا لمن ينسب الحمل إليه , فصار في
التحريم وإباحة الخلوة ابنا لهما , وأولاده من البنين والبنات أولاد أولادهما , وإن
نزلت درجتهم , وجميع أولاد المرضعة من زوجها ومن غيره , وجميع أولاد الرجل الذي
انتسب الحمل إليه من المرضعة ومن غيرها , إخوة المرتضع , وأخواته , وأولاد أولادها
أولاد إخوته وأخواته , وإن نزلت درجتهم , وأم المرضعة جدته وأبوها جده , وإخوتها
أخواله , وأخواتها خالاته , وأبو الرجل جده , وأمه جدته , وإخوته أعمامه , وأخواته
عماته , وجميع أقاربهما ينتسبون إلى المرتضع كما ينتسبون إلى ولدهما من النسب; لأن
اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من ماء الرجل والمرأة , فنشر التحريم إليهما, ونشر
الحرمة إلى الرجل وإلى أقاربه, وهو الذي يسمى لبن الفحل...
فأما المرتضع , فإن الحرمة تنتشر إليه وإلى أولاده وإن نزلوا , ولا تنتشر إلى من في
درجته من إخوته وأخواته , ولا إلى أعلى منه , كأبيه وأمه وأعمامه وعماته وأخواله
وخالاته وأجداده وجداته , فلا يحرم على المرضعة نكاح أبي الطفل المرتضع , ولا أخيه
, ولا عمه , ولا خاله , ولا يحرم على زوجها نكاح أم الطفل المرتضع , ولا أخته , ولا
عمته , ولا خالته , ولا بأس أن يتزوج أولاد المرضعة , وأولاد زوجها إخوة الطفل
المرتضع وأخواته .
قال أحمد : لا بأس أن يتزوج الرجل أخت أخته من الرضاع , ليس بينهما رضاع ولا نسب ,
وإنما الرضاع بين الجارية وأخته ".
انتهى من "المغني"(8/141) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " يجب أن نعرف أن الرضاع لا ينتشر حكمه إلا إلى المرتضع نفسه وفروعه فقط ،
ولا ينتشر الرضاع إلى أصوله وفروع أصوله .
وبهذه القاعدة : يتبين حل مشاكل كثيرة ، يسأل عنها كثيراً .
والإيضاح مرة ثانية : أن الإنسان إذا رضع من امرأة رضاعاً معتبراً شرعياً ، صار
ولداً لها ، وصار أولادها ـ ذكورهم وإناثهم ـ إخوة له ، وصار إخوتها أخوالاً له ،
وأخواتها خالات له ، وصار أيضاً ولداً لمن ينسب لبنها إليه ، فيكون زوجها أباً له
من الرضاع ، وإخوة زوجها أعماماً له من الرضاع .
وينتشر هذا الحكم إلى فروع المرتضع ، يعني إلى ذريته .
وأما إخوة المرتضع ، وأبوه ، وأمه : فلا تأثير للرضاع فيهم إطلاقاً ، لا يؤثر فيهم
أبداً ، وهم بالنسبة لمن كانوا محارم لهذا المرتضع بسبب الرضاع ، هم أجانب ، وليسوا
محارم. " .
انتهى من فتاوى " نور على الدرب ".
والله أعلم .